الاثنين، 13 يونيو 2016


دنشواي في عصر محمد علي

 ده مقال قصير نشرته في جريدة الشروق من يجي تسع سنين افتكرته بمناسبة الكتابة عن دنشواي الأصلية، وزي ما هتلحظوا فيها جزء من المقالات الأصلية اللي كنت كتبتها في الذكرى المئوية لحادثة دنشواي، ورجعت جمعتها في مقال واحد وصيغتها من تاني ونشرتها من يومين.

عماد أبو غازي


 نعرف جميعًا قصة حادثة دنشواي التي تعد من أشهر حوادث التاريخ المصري الحديث وأكثرها تأثيرًا في وجدان المصريين، فبسبب قيام الجنود الإنجليز بصيد الحمام في قرية دنشواي بالمنوفية اشتعلت النيران في جرن بالقرية وأصيبت فلاحة وأصيب شيخ الغفر الذي حاول أن يحمي الإنجليز من غضب الأهالي، فثار الأهالي وفر الإنجليز ومات واحدًا منهم بضربة شمس، يومها عقد الإنجليز محكمة مخصوصة قضت بإعدام أربعة من أهالي القرية شنقًا، وبالأشغال الشاقة على تسعة وبالحبس مع الشغل على أربعة آخرين، وحكمت بجلد تسعة، على أن تنفذ عقوبات الإعدام والجلد بالقرية.
 إنها الحادثة التي قال عنها المؤرخ عبد الرحمن الرافعي في كتابه "مصطفى كامل باعث الحركة الوطنية": "لا مراء في أن حادثة دنشواي هي من حوادث مصر التاريخية التي لا تُنسى على مر السنين، لما كان لها من الأثر البليغ في تطور الحركة الوطنية، وفي مركز الاحتلال الإنجليزي، فهي نهاية عهد كان الاحتلال يتمتع فيه بالاستقرار والطمـأنينة، وبداية مرحلة جديدة من مراحل الجهاد القومي عم فيها الشعور الوطني بعد أن كان الظن أن سواد الأمة راض عن الاحتلال".
 وقد كان الرافعي مؤرخ الحركة الوطنية محقًا فيما قال، فالحادث بالفعل من الأيام التي لا تُنسى في تاريخنا، لقد حولت رعونة سلطات الاحتلال البريطاني وجبروتها ومبالغتها في استخدام القوة الغاشمة، وخنوع ذيولها من المصريين، حادث بسيط مرتبط بصيد الحمام في الريف إلى قضية كبرى فجرت طاقات الحركة الوطنية المصرية وأطلقت الغضب الشعبي في مصر، وهزت الرأي العام العالمي، وأعادت القضية المصرية بقوة إلى الساحة الدولية بعد أن انزوت بالوفاق الودي بين بريطانيا وفرنسا سنة 1904، وبلغت أهمية الحادثة درجة دفعت محافظة المنوفية إلى اتخاذ ذكراها عيدًا قوميًا وبرج الحمام شعارًا لها.
 لكن ما حدث في دنشواي لم يكن الحادث الأول من نوعه، أقصد هنا بما حدث المشاكل التي تترتب على صيد الأجانب للطيور في الريف المصري، فالريف كان يغري الأوروبيين من هواة الصيد بصيد الطيور التي تعيش فيه، وبسبب غياب اللغة المشتركة بين الأوروبيين والمصريين كانت المشاكل تقع دائما، منها ما يرويه المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي في تاريخه "عجائب الآثار في التراجم والأخبار" في حوادث شهر ربيع الثاني سنة 1235 هـ، الموافقة لسنة 1820 م، أي في عصر محمد علي باشا، يقول الجبرتي تحت عنوان ذكر حادثة:

 "واتفق وقوع حادثة في هذا الشهر وهو أن شخصا من الإفرنج الإنجليز ورد من الإسكندرية وطلع إلى بلدة تسمى كفر حشاد، فمشى بالغيط ليصطاد الطير، فضرب طيرا ببندقيته، فأصابت بعض الفلاحين في رجله، وصادف هناك شخصا من الأرنؤد بيده هراوة أو مسوقة، فجاء إلى ذلك الأفرنجي وقال له: أما تخشى أن يأتي إليك بعض الفلاحين ويضربك على رأسك هكذا، وأشار بما في يده على رأس الأفرنجي لكونه لا يفهم لغته، فاغتاظ من ذلك الإفرنجي وضربه ببندقيته فسقط ميتا، فاجتمع عليه الفلاحون وقبضوا على الأفرنجي ورفعوا الأرنؤدي المقتول وحضروا إلى مصر، وطلعوا بمجلس كتخدا بيك (وكيل الباشا) واجتمع الكثير من الأرنؤد وقالوا لابد من الأفرنجي، فاستعظم الكتخدا ذلك لأنهم يراعون جانب الأفرنج إلى الغاية؛ فقال: حتى نرسل إلى القناصل ونحضرهم ليروا حكمهم في ذلك، وأرسل بإحضارهم، وقد تكاثر الأر نؤد وأخذتهم الحمية، وقالوا: لأي شيئ نؤخر قتله إلى مشورة القناصل؟ وإن لم يقتل في هذا الوقت نزلنا إلى حارة الأفرنج ونهبناها وقتلنا كل من بها من الإفرنج، فلم يسع الكتخدا إلا الأمر بقتله، فنزلوا به إلى الرميلة وقطعوا رأسه، وطلع أيضًا القناصل في كبكبتهم وقد نفذ الأمر، وكان ذلك في غيبة الباشا".

هناك تعليق واحد:

أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا

  أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا عماد أبو غازي   إذا كنا نحي هذا العام الذكرى الخمسين لرحيل طه حسين، فهناك مناسبة أخرى مرتبطة به ت...