الاثنين، 13 يونيو 2016

دنشواي 2
 وده مقال قديم تاني كنت نشرته في جرنال الدستور في يوليو 2007 افتكرته بمناسبة الكتابة عن دنشواي، فألت أنشره تاني للذكرى...

مخربشات
هلوسة صيفية ... على هامش دنشواي اتنين!

عماد أبو غازي

 "لا مراء في أن حادثة دنشواي هي من حوادث مصر التاريخية التي لا تُنسى على مر السنين".
 تذكرت تلك العبارة للمؤرخ عبد الرحمن الرافعي وأنا أتابع ما تنشره الصحف عن حادثة دنشواي الثانية، التي وقعت في القرية منذ أيام قليلة. عندما أطلق أحد أثرياء القرية ـ كما تصفه الصحف ـ النار على الأهالي المتجمهرين يحاولون منعه من تركيب محطة تقوية لإحدى شركات المحمول فوق منزله، أسفر إطلاق النار عن مصرع شاب في السادسة عشرة من عمره، وإصابة عدد من أبناء القرية، وتدخل الأمن ليوقف الاشتباكات ويقبض على الثري المتهم بالقتل، وتتحفظ النيابة العامة على المصابين في المستشفيات بتهمة التجمهر وإتلاف الممتلكات الخاصة والتعدي والضرب.
 وبالطبع فإن للواقعة روايات متعددة، فبعض الصحف تتحدث عن تجمهر الأهالي لمنع صاحب المنزل من إقامة محطة المحمول فوق منزله، رغم تحذيرهم المتكرر له خوفا من الأضرار الصحية لمحطات المحمول، وقيام صاحب المنزل بالاستعانة برجاله وأتباعه بإطلاق الأسلحة النارية عليهم لإرهابهم، فكان هو المعتدي وفقا لهذه الرواية، بينما تذكر صحف أخرى أن آلاف من أبناء القرية هاجموا منزل الرجل بالفؤس والحجارة والعصي وتعدوا عليه وعلى أهل بيته، فأطلق النار عليهم، فهو هنا يدافع عن نفسه.
 وقد تكررت أحداث مماثلة في عدد من قرى مصر ومدنها الصغيرة في السنوات الماضية، لكن لأن القرية التي وقعت فيها الأحداث "قرية دنشواي"، فقد تصدر الحادث العناوين الرئيسية لعدد من الصحف، وحظي بتغطية إعلامية كبيرة، كان الربط فيها بين حادثة دنشواي القديمة وحادثة دنشواي الثانية قاسما مشتركا. وكأن هذه القرية الصغيرة من قرى محافظة المنوفية مكتوب عليها أن تعيد مأساتها مرة أخرى، بعد مئة عام وعام وشهر، ففي العام الماضي احتفلنا بمؤية حادثة دنشواي، وها نحن أمام دنشواي جديدة.
 لكن هل حقا يمكن أن نعتبر أن ما حدث في الأسبوع الماضي يماثل ما حدث منذ مئة عام وعام ؟
 للتذكرة، تبدأ حادثة دنشواي 1906 عندما غادرت كتيبة من الجيش البريطاني القاهرة متوجهة إلى الإسكندرية، وتوقفت بمنوف للراحة، فأبلغ خمسة من ضباط الكتيبة مأمور المركز رغبتهم في الصيد بقرية دنشواي القريبة، والمشهورة بتربية الحمام، فطلب المأمور من أحد أعيان بلدة الواط أن يعد لهم راكيب تتولى نقلهم لبلدة دنشواي، وذهب الضباط بصحبة أومباشي من نقطة الشهداء وترجمان مصري، وتوجه الأومباشي إلى العمدة ليبلغه ليتخذ الاحتياطات اللازمة، لكن العمدة كان غائبا، ولم ينتظر الضباط عودته، فانقسموا فريقين فريق وقف على السكة الزراعية لصيد الحمام من على الأشجار، والفريق الآخر دخل إلى القرية وتوغل في وسط أجران القمح، ومن هنا بدأت رحلة الصيد العادية التي تكررت مئات المرات من قبل تتحول إلى حادثة هزت مصر وامتدت آثارها إلى العالم، عندما صوب أحد الضباط بندقيته نحو حمامتين واقفتين على جرن قمح فتسببت رصاصة طائشة في إشعال النار في الجرن، وأصابت رصاصة أخرى زوجة صاحب الجرن بجراح وتصور الناس أنها ماتت، وتصاعدت الأحداث عندما مات ضابط إنجليزي بضربة الشمس،  ونعرف جميعا ما حدث بعد ذلك من محاكمات انتهت بإعدام وسجن وجلد عدد من أهالي القرية المنكوبة.
 فهل يمكن أن نقارن ما حدث يومها بما حدث بالأمس القريب ؟
 من اللافت للنظر في دنشواي الجديدة عدة أمور، أولها: الدور الذي أصبح المسجد يلعبه في التحريض وفي تحريك الناس في الشارع، هذا الدور الذي تعاظم مع غياب الأحزاب السياسية عن الساحة، فكثيرا ما نسمع في السنوات الماضية عن جرائم التحريض من فوق منابر المساجد ضد حق المواطنين المسيحيين في بناء الكنائس، وفي الأسبوع الماضي نشرت جريدة البديل عن واقعة تحريض جديدة في أطسا بالفيوم، "بطلها" إمام مسجد، لكنها هذه المرة ضد مواطن مسلم رفض أن يضم حديقة منزله إلى المسجد المجاور، فحرض إمام المسجد المصلين ليقتحموا المنزل ويعتدوا على صاحبه وأسرته ويضم الحديقة بالقوة للمسجد! وفي واقعة دنشواي اتنين أيضا لعب أئمة المساجد دورا في التحريض على منع إقامة محطة تقوية المحمول بالقوة، إننا أمام ظاهرة أصبح فيها أئمة المساجد يلعبون دورا خطيرا في المجتمع، يبدأ من التحريض على البلطجة باسم الدين ضد الكنائس وضد أملاك الغير إلى التدخل بالفتوى في كل أمر معلوم لشيخ الجامع أو غير معلوم، وهذا أمر خطير.
 ثانيها: اتجاه الناس إلى منطق قانون الغابة، كلٍ يفعل ما يريد، كل واحد يسعى إلى تطبيق قانونه بالقوة، وأخذ ما يتصوره حق له بأيديه، بدلا من اللجوء إلى القضاء والاحتكام للقانون، فالناس ترى أن القانون العام لا يطبق على الجميع، فمادام ذلك كذلك، فاللي إيده تطول حاجه ياخدها، وهذا خطر ثاني.

 الأمر الثالث: التناقض الذي أصبحنا نعيش فيه، في سلوكنا وتفكيرنا، فكلنا نستعمل المحمول ونبالغ في استخدامه، ومن المؤكد أن هناك آلاف من أجهزة المحمول في قرية دنشواي، فترى كيف تعمل هذه الأجهزة دون محطات إرسال ومحطات تقوية، كلنا نريد أن نقتني المحمول ونستخدمه، لكننا نرفض مستلزماته ومتطلباته وبنيته الأساسية، ونقاتل من أجل منع إقامتها!!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لطيفة الزيات: قائدة في انتفاضة ١٩٤٦ وفارسة في مواجهة التطبيع

  لطيفة الزيات: قائدة في انتفاضة ١٩٤٦  وفارسة في مواجهة التطبيع   عماد أبو غازي     لطيفة الزيات علامة من علامات الجيل الذي ولد بعد ثو...