السبت، 11 يونيو 2016

"الخواجة أتل المره..."
عماد أبو غازي

 تحتفل مصر بذكرى مرور مئة وعشرة سنوات على حادثة دنشواي، ففي شهر يونيو من عام 1906 وقعت حادثة دنشواي التي قال عنها المؤرخ عبد الرحمن الرافعي في كتابه "مصطفى كامل باعث الحركة الوطنية":
 "لا مراء في أن حادثة دنشواي هي من حوادث مصر التاريخية التي لا تُنسى على مر السنين، لما كان لها من الأثر البليغ في تطور الحركة الوطنية، وفي مركز الاحتلال الإنجليزي، فهي نهاية عهد كان الاحتلال يتمتع فيه بالاستقرار والطمـأنينة، وبداية مرحلة جديدة من مراحل الجهاد القومي عم فيها الشعور الوطني بعد أن كان الظن أن سواد الأمة راض عن الاحتلال".


 لقد كان الرافعي مؤرخ الحركة الوطنية محقًا فيما قال؛ فالحادث بالفعل من الأيام التي لا تُنسى في تاريخنا، لقد تسببت رعونة سلطات الاحتلال البريطاني وجبروتها ومبالغتها في استخدام القوة الغاشمة، وخنوع ذيولها من المصريين، في تحويل حادث صيد حمام بسيط إلى قضية كبرى فجرت طاقات الحركة الوطنية المصرية وأطلقت الغضب الشعبي في مصر من عقاله وأيقظته من ثباته، وهزت الرأي العام العالمي وأعادت القضية المصرية بقوة إلى الساحة الدولية بعد أن انزوت بالوفاق الودي بين بريطانيا وفرنسا سنة 1904، وبلغت أهمية الحادثة درجة دفعت محافظة المنوفية إلى اتخاذ ذكراها عيدًا قوميًا وبرج الحمام شعارًا لها.


 وتبدأ الحادثة كما يرويها عبد الرحمن الرافعي ـ الذي كان وقتها شابًا يدرس في السنة الثانية بمدرسة الحقوق ـ عندما غادرت كتيبة من جيش الاحتلال البريطاني القاهرة يوم 11 يونيو 1906 متوجهة إلى الإسكندرية، وتوقفت بمنوف يوم 13 يونيو للراحة، فأبلغ خمسة من ضباط الكتيبة مأمور المركز رغبتهم في الصيد بقرية دنشواي القريبة، والمشهورة بتربية الحمام، ويذكر مؤرخنا عبد الرحمن الرافعي كعادته التفاصيل الصغيرة للحادث، فيحدد لنا أسماء الضباط الإنجليز الخمسة وهم الميجور بين كوفن قومندان الكتيبة، والكابتن بول، والملازمان بورتر وسميث ويك، والطبيب البيطري بوستك، ويقول الرافعي أن المأمور طلب من عبد المجيد بك سلطان أحد أعيان بلدة الواط أن يعد لهم راكيب تتولى نقلهم لبلدة دنشواي، ففعل، وذهب الضباط الخمسة بصحبة أومباشي من بوليس نقطة الشهداء وترجمان مصري، وتوجه الأومباشي إلى العمدة ليبلغه خبر قدوم الضباط ليتخذ الاحتياطات اللازمة التي تضمن عدم احتكاكهم بالأهالي، لكن العمدة كان غائبًا، ولم ينتظر الضباط عودته، فهم يتصورون أن البلد بلدهم يفعلون فيها ما يشاءوا، فانقسموا فريقين فريق وقف على السكة الزراعية لصيد الحمام من على الأشجار وهؤلاء لم يصبهم أحد بشيء، والفريق الآخر دخل إلى القرية وتوغل في وسط أجران القمح، ومن هنا بدأت رحلة الصيد العادية التي تكررت مئات المرات من قبل تتحول إلى حادثة هزت مصر وامتدت آثارها إلى العالم.
 كيف حدث ذلك ؟
 صوب أحد الضباط بندقيته نحو حمامتين واقفتين على جرن قمح يملكه محمد عبد النبي مؤذن القرية، فصاح به شحاته عبد النبي أخو صاحب الجرن هو وشيخ يبلغ من العمر 75 سنة اسمه حسن علي محفوظ (كان أول من نفذ فيه حكم الإعدام بعد المحاكمة) أن يتوقف عن إطلاق النار حتى لا يشتعل الجرن، طبعًا الخواجة لم يفهم كلامهما، واستمر في إطلاق النار، فتسببت رصاصة طائشة في إشعال النار في الجرن، وأصابت رصاصة أخرى الست أم محمد زوجة صاحب الجرن بجراح وتصور الناس أنها ماتت، فهجم شحاته على الضابط محاولًا انتزاع بندقيته، وخرج أهالي القرية يصيحون "الخواجة أتل المره وحرق الجرن"، وأحاطوا بالضابط، وفي نفس الوقت جاء بقية الضباط الإنجليز في محاولة لتخليص زميلهم، ووصل شيخ الغفر مع الغفرا لتفريق الجمع، فتصور الضباط الإنجليز إنه قادم لضربهم فأطلقوا عليه الرصاص فسقط جريحا بإصابة في فخده، فجرى العيال في القرية يصيحون: "شيخ الغفر اتقتل"، وأخذ الأهالي يقذفون الضباط بالطوب، فهرب الإنجليز بعد أن أصيب قومندان الكتيبة بكسر في ذراعه وجرح الملازمان سميث ويك وبورتر ووقعوا في أسر الغفر، وتم تسليمهم لوحدتهم.
 أما الكابتن بول الذي أصيب في رأسه وزميله الطبيب البيطري فقد أطلقا ساقيهما للريح خوفًا من غضب الأهالي، وجريا 8 كيلو في عز حر بؤنة، فسقط الأول من الإعياء عند مدخل قرية سْرسنا، وتركه الطبيب الندل واستمر في الجري حتى وصل للمعسكر، فلاح مصري اسمه سيد أحمد سعيد شاهد الكابتن على الأرض فطسان من الحر، فتقدم يسقيه الماء، في الوقت الذي وصلت فيه قوة من الكتيبة الإنجليزية، فطعنوا سيد أحمد بسناكي البنادق وانهالوا على رأسه ضربًا بكعوبها فسقط قتيلًا وسماه الناس شهيد سْرسنا، ومات الكابتن بول بضربة الشمس، كما أكد ذلك تقرير الطبيب الشرعي البريطاني.


 عندما وصل الخبر إلى القاهرة ثارت ثائرة اللورد كرومر، وبعد أسبوع واحد من الحادثة أصدر بطرس باشا غالي وزير الحقانية قرارًا بتشكيل محكمة مخصوصة استنادًا إلى أمر عالي كان قد صدر سنة 1895، بتشكيل محاكم مخصوصة لمحاكمة المصريين الذين يتهمون بالتعدي على ضباط وجنود جيش الاحتلال.
 تشكلت محكمة مخصوصة برئاسة بطرس باشا غالي ناظر الحقانية (وزير العدل) وعضوية مستر هيتر نائب المستشار القضائي الإنجليزي في مصر ومستر بوند وكيل محكمة الاستئناف الأهلية والقائم مقام لادلو القائم بأعمال المحاماة والقضاء بجيش الاحتلال، وأحمد فتحي زغلول بك رئيس محكمة مصر الابتدائية، وتولى السكرتارية عثمان بك مرتضى رئيس أقلام الحقانية.

بطرس باشا غالي
 وقد تولى مسئولية الادعاء العام إبراهيم الهلباوي وكان واحدًا من أكبر المحامين وأشهرهم، ووفقا لجريدة "المنبر": "عرضت وظيفة المدعي العمومي في قضية دنشواي على الأستاذ أحمد عبد اللطيف المحامي قبل أن تعرض على الهلباوي فقبلها، ولكن على شريطة أن يكون حرا في المرافعة، فيطلب من العقاب ما يراه موافقًا للجرم، فقيل له سننقدك مائتين ذهبا ويجب أن تقول ما نريد أن يقال فأبى. أما الهلباوي فقبلها كما طلبوا وأعطى خمسمائة من الجنيهات بواقع مائة عن كل ضابط من الخمسة الإنجليز الذين قام مطالبًا بعقاب من اعتدى عليهم".

إبراهيم الهلباوي
 طلب الهلباوي الإعدام لسبعة من الأهالي وبأشد عقوبة بعد الإعدام لباقي المتهمين، مستندًا إلى أن مثل هذه التهم يعاقب عليها بالقتل في القوانين الإنجليزية والفرنسية وفي الشريعة الإسلامية.
 أما فريق الدفاع عن المتهمين فتكون من أحمد لطفي السيد بك ومحمد بك يوسف وإسماعيل بك عاصم، وقد ركز أحمد لطفي السيد في دفاعه على هدم الأسس القانونية لمرافعة الادعاء ونفي تهمة سبق الإصرار عن المتهمين، لكن القضية لم تكن قانونية، بل كان الأمر قرارًا سياسيًا بتوقيع عقوبات قاسية لإرهاب المصريين وإشعارهم بسطوة الوجود البريطاني.
 وبعد ثلاثة أيام من المحاكمات صدرت الأحكام يوم 27 يونيو بإعدام أربعة من أهالي القرية شنقا، وبالأشغال الشاقة على تسعة وبالحبس مع الشغل على أربعة آخرين، وحكمت بجلد تسعة، على أن تنفذ عقوبات الإعدام والجلد بالقرية، وكلفت المحكمة مدير المنوفية (يعنى المحافظ) بتنفيذ الأحكام فورًا، وتم تنفيذ الأحكام يوم 28 يونيو 1906، واستغرق التنفيذ ساعة ونصف، حيث أُعدم أول الشهداء في الثانية ظهرًا، وبقى معلقًا في حبل المشنقة إلى أن نفذ حكم الجلد في اثنين من الأهالي، ثم شنق الثاني واستمر تنفيذ العقوبات بنفس الأسلوب إلى الساعة الثالثة والنصف.


 وقد وصف قاسم أمين في كلمات معبرة شعور الناس يوم تنفيذ الحكم، فقال: "رأيت عند كل شخص تقابلت معه قلبًا مجروحًا وزورًا مخنوقًا، ودهشة عصبية بادية في الأيدي وفي الأصوات، كان الحزن على جميع الوجوه، حزن ساكن مستسلم للقوة، مختلط بشيء من الدهشة والذهول، ترى الناس يتكلمون بصوت خافت، وعبارات متقطعة، وهيئة بائسة، منظرهم يشبه منظر قوم مجتمعين في دار ميت، كأنما كانت أرواح المشنوقين تطوف في كل مكان من المدينة، ولكن هذا الاتحاد في الشعور بقى مكتومًا في النفوس لم يجد سبيلًا يخرج منه فلم يبرز بروزًا واضحًا حتى يراه كل إنسان".

قاسم أمين
 أما جريدة مصطفى كامل "اللواء" فقد وصف مراسلها الصحفي الشاب أحمد حلمي المشهد قائلًا: "كاد دمي يجمد في عروقي بعد تلك المناظر الفظيعة، فلم استطع الوقوف بعد الذي شاهدته، فقفلت راجعًا وركبت عربتي، وبينما كان السائق يلهب خيولها بسوطه كنت أسمع صياح ذلك الرجل يلهب الجلاد جسمه بسوطه، هذا ورجائي من القراء أن يقبلوا معذرتي في عدم وصف ما في البلدة من مآتم عامة، وكآبة مادة رواقها على كل بيت، وحزن باسط ذراعيه حول الأهالي، حتى أن أجران غلالهم كان يدوسها الذين حضروا لمشاهدة هذه المجزرة البشرية، وتأكل فيها الأنعام والدواب بلا معارض ولا ممانع، كأن لا أصحاب لها، ومعذرتي واضحة، لأني لم أتمالك نفسي وشعوري أمام البلاء الواقع الذي ليس له من دافع إلا بهذا المقدار من الوصف والإيضاح".

أحمد حلمي
وبالمناسبة أحمد حلمي هو جد المبدع المصري العظيم صلاح ﭽاهين وهو من سمي على اسمه شارع أحمد حلمي بحي شبرا.
 لقد ظن الاحتلال وأعوانه في مصر أن ما فعلوه في دنشواي سيرهب المصريين ويخمد الروح الوطنية الوليدة، لكن ما حدث كان خلاف ذلك، فانقلب السحر على الساحر كما يقولون، وكان الفضل للدور الذي قام به الزعيم مصطفى كامل، كان الرجل في أوروبا للاستشفاء عندما صدر الحكم، فترك سريره وانطلق ليسمع العالم صوت مصر وليفضح جرائم الاحتلال البريطاني وأعوانه، فكتب في جريدة الفيجارو الفرنسية مقاله الشهير "إلى الأمة الإنجليزية والعالم المتمدن"، متوجهًا إلى الرأي العام العالمي وإلى ضمائر الأحرار، مستنهضًا التضامن الدولي مع القضية المصرية، وأعقب المقال بزيارة إلى لندن ألقى فيها الخطب ونشر المقالات، وأثمرت حملة مصطفى كامل، ففضحت ادعاءات الاحتلال بأنه المدافع عن الفلاح المصري، ونجحت في دفع الاحتلال إلى تغيير سياسته في مصر، وفي تعيين أول وزير فلاح هو سعد زغلول، وفي الإطاحة باللورد كرومر وإرغامه على الاستقالة بعد أقل من عام، وكانت الحادثة كذلك دافعًا إلى تحويل حركة مصطفى كامل إلى حزب منظم "الحزب الوطني" أواخر عام 1907، وإلى تحريك الدعوة الساكنة لتأسيس الجامعة المصرية التي ظهرت للوجود في ديسمبر 1908.

مصطفى كامل
مصر بعد دنشواي غير مصر قبلها، فقد عرف قادة الحركة الوطنية المصرية كيف يحولون المأساة إلى نقطة انطلاق.
دنشواي في ضمير المصريين
 من طاهر حقي في روايته عذراء دنشواي إلى أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وصلاح عبد الصبور وصلاح جاهين وعبد الرحمن الأبنودي في قصائدهم المتعددة عن الحادثة إلى عبد الهادي الوشاحي في تمثاله للفلاح الشهيد، ظلت دنشواي حاضرة في وجدان مبدعي مصر وفنانيها، شعرًا ونثرًا، نحتًا وتصويرًا.

شهيد دنشواي للنحات عبد الهادي الوشاحي
 جاءت البادرة الأولى للتعبير عن المأساة بعد أيام قليلة من تنفيذ الحكم في فلاحي دنشواي عندما بدأ طاهر حقي في نشر رواية "عذراء دنشواي"، والتي تعد أول تجلي أدبي للحادثة، وقد نشرها مسلسلة في جريدة "المنبر" لصاحبها أحمد حافظ عوض، ويذكر المؤرخ الكبير محمد صبري السوربوني في كتابه "الشوقيات المجهولة" أن طاهر حقي أخبره أن منسفيلد حكمدار العاصمة الإنجليزي قد استدعاه أكثر من مرة أثناء نشر الرواية مطالبًا إياه بتخفيف حدة كتابته، مهددًا إياه بسوء العواقب.
 وقد أهدى حقي الرواية إلى شوقي، لكنه رفض قبول "الهدية"، وأرسل إلى طاهر حقي وأحمد حافظ عوض قائلا:
"صديقي العزيزين
 اطلعت في المنبر المتصل إن شاء الله تعالى بالجوزاء على فاتحة رواية باسم (عذراء دنشواي) رأى حضرة واضعها الفاضل تلطفًا منه وإحسانًا أن يهديها إلى. ورأيت أن أعتذر على أعواد المنبر من قبول الهدية وأن انفض يدي من عذراء نشأت بين حَمام كم جلب حِمام، وبين أجران كم جرت أحزان. ولو سألني حضرة المؤلف رأيي قبل أن ينشر ما نشر، كما هو مألوف في مثل هذا المقام، لدللته على من هو أحق مني بحسن ظنه كعشماوي، أو نابغة المحامين الهلباوي، أو غيرهما من جنود الحادثة وشهود الكارثة والسلام.
المخلص شوقي"

  والسخرية الممزوجة بالسخط على الجلادين واضحة في كلمات شوقي كما في قصائده، فقد كتب شوقي في الذكرى الأولى لدنشواي قصيدة قال فيها:
يا دنشواي على رباك سلام           ذهبت بأنس ربوعك الأيام
شهداء حكمك في البلاد تفرقوا       هيهات للشمل الشتيت نظام
مرت عليهم في اللحود أهلة          ومضى عليهم في القيود العام
كيف الأرامل فيك بعد رجالها           وبأي حال أصبح الأيتام
عشرون بيتا أقفرت وانتابها            بعد البشاشة وحشة وظلام
يا ليت شعري في البروج حمائم     أم في البروج منية وحِمام
نيرون لو أدركت عهد كرومر            لعرفت كيف تنفذ الأحكام
 نوحي حمائم دنشواي وروعي      شعبًا بوادي النيل ليس ينام
إن نامت الأحياء حالت بينه            سحرًا وبين فراشه الأحلام
متوجع يتمثل اليوم الذي               ضجت لشدة هوله الأقدام
 وفي 31 يناير 1908 نشرت الجريدة الأسبوعية:
"أرسل إلينا وطني حزين سكن أوروبا دور غناء وكتابًا يقول فيه: لنجعل شعارنا المشنقة، ولنقدس المشنقة فهي سبب حياة أمة. أرسلت إليك هذا الدور وأرجو أن يرغم المغني في الأفراح على أن يفتتح الغناء بهذا الدور..."، أما الدور فيقول:
يا حمامة دنشواي
نوحي للسير جراي
تحت الظلام كي لا ينام
***
الشنق حامي
والضرب داير
فين المحامي
ما فيش كلام
 ويرى السوربوني أن هذا الدور كتبه شوقي ويذكر أن هذا الدور كان يغنى في السهرات الخاصة، ومن المطربين الذين غنوه عبد الحي حلمي ومحمد سليمان.
 ومما كتبه شوقي عن دنشواي أيضًا، قصيدته الموجهة إلى الاحتفال الذي نظمه أصدقاء أحمد فتحي زغلول عندما تمت مكافأته على تعاونه مع الاحتلال بالباشوية وبتعينه وكيلًا للحقانية بمرتب 125 جنيهًا شهريًا، وقال فيها:
إذا مـا جمعـتم أمـركـم وهممتمـو      بـتقـديـم شـيء للـوكيل ثمـين
خذوا حـبل مشنوق بغير جريرة         وسروال مجلود وقيد سجين
ولا تعرضوا شعري عليه فحسبه        مـن الشعـر حـكم خطه بيمين
ولا تقرأوه في شبرد بل اقرأوا           على ملأ من دنشواي حزين
 ورغم الجهود الفكرية لفتحي زغلول فقد ظل منبوذًا من المصريين وقد أعاد محمد السيد عيد إلى الأذهان صورته السلبية في مسلسل قاسم أمين.
 وفي وداع اللورد كرومر عند رحيله كتب شوقي:
دنشواي إلى جنابه الرحيم
يا لورد إن تك آثار مخلدة         فأنني أثر للعدل ملحوظ
لنشكرنك ما دام الخراب بنا     والصنع عند كرام الناس محفوظ
وكتب:
وداع الشبيبة المصرية للورد كرومر
يا راحلًا عنا وذكرك خالد       أبدا ليحيي بيننا الآلاما
سر بالسلامة حاملا زفرتنا    واذكر مقامك بيننا الأعوام
واذكر حكاية دنشواي فإنها   كم خلفت بين الربوع يتامى

كرومر
 ولم تلاحق الذكرى فتحي زغلول وكرومر فقط، بل ظلت جريمة الهلباوي تلاحقه فقد قاطعه الناس وتعاملوا معه باعتباره مجرم شنق أهالي دنشواي بلسانه، ورغم محاولاته لغسيل تاريخه الأسود إلا أنه فشل في ذلك، وبعد ثورة 19 وفي أول انتخابات برلمانية أجريت على أساس دستور 23، والتي خاضها الهلباوي، نشرت جريدة السياسة في ديسمبر 1923 خطبة الهلباوي الانتخابية لعضوية مجلس النواب والتي جاء فيها: "يعيدون مرافعتي ولا يذكرون أن المرحوم فتحي باشا زغلول شقيق سعد باشا هو الذي قبلت ذمته أن يحكم مع الآخرين بتلك العقوبات لأن الحكم كان بالإجماع، وقبل قلمه أن يسطر تلك الحيثيات لأنه هو وحده الذي سطر حيثيات الحكم التي تنفث لهبًا ونارًا"
 لقد أصبح الهلباوي رغم كل محاولاته للتكفير عن جريمته ـ كما قال صلاح عيسى ـ مجرد محطة أتوبيس في شارع المنيل حيث كان يسكن وحتى المحطة ألغيت الآن.
 أما بطرس باشا غالي فكان أحد الأسباب التي ذكرها إبراهيم الورداني لارتكابه جريمة الاغتيال رئاسته لمحكمة دنشواي.

 إذا كنا نسينا الإنجليز فإن المصريون الذين باعوا أهلهم لم ولن ينسى جريمتهم أحد، إن الدرس الذي ينبغي أن يتعلمه الطغاة أن الشعوب لا تغفر أبدا لمن أهانوها أو خانوها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا

  أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا عماد أبو غازي   إذا كنا نحي هذا العام الذكرى الخمسين لرحيل طه حسين، فهناك مناسبة أخرى مرتبطة به ت...