الاثنين، 5 يناير 2015


 ليلة الأربع هتحتفل الكنيسة المصرية الأرثوذكسية بعيد الميلاد المجيد، اليوم ده كان في مصر زمان عيد لكل المصريين، بيحتفلوا بيه مع بعض...


عيد الميلاد المجيد في ختام أسبوع الأعياد

عماد أبو غازي


  قديمًا في مصر كان الناس يتفاءلون عندما تجتمع الأعياد الدينية المختلفة مع بعضها، وكان تزامن الاحتفالات الدينية الإسلامية والمسيحية واليهودية من الأمور اللافتة لنظر المؤرخين، التي تستوقفهم ليكتبوا عنها باعتبارها من طرائف الأمور، وطبعًا فإن هذا التزامن يقع بسبب اختلاف التقاويم، قمري، نجمي، شمسي، قمري شمسي، الذي يجعل أيام السنة القمرية تدور حول السنة النجمية والسنة الشمسية، وهذا الأسبوع عندنا في مصر أسبوعًا للأعياد نحتفل في نهايته بعيد الميلاد المجيد وفقًا للتقويم المصري (القبطي)، وفي بدايته احتفلنا برأس السنة الميلادية، وفي منتصفه بالمولد النبوي الشريف وفقا للتقويم الهجري، وفي الأسبوع الماضي احتفلنا بعيد الميلاد المجيد للكنائس الغربية، وفقًا للتقويم الميلادي الجريجوري.

 والاحتفال بعيد الميلاد المجيد عاد مرة أخرى منذ عدة أعوام احتفالًا مصريًا عامًا تعطل فيه المصالح الحكومية والمدارس بعد انقطاع دام مئات السنين كان المسيحيون المصريون يحتفلون وحدهم بهذا العيد، أقول عاد لأن المصريين في عصور مضت كانوا يحتفلون بعيد ميلاد السيد المسيح، وكانوا يشتركون جميعا في هذا الاحتفال، ولو عدنا إلى الوراء لكتب التاريخ سوف نكتشف أن مصر كلها "حكومة وشعبًا" زي ما بنقول دلوقتي، كانت تحتفل بعيد الميلاد المجيد باعتباره واحدًا من أهم الأعياد في البلاد.

 تؤكد المصادر التاريخية أن الاحتفال بعيد الميلاد المجيد كان احتفالًا مصرًيا عامًا منذ العصر الفاطمي على الأقل واستمر الحال كذلك إلى عصر المماليك، ولو عدنا إلى ما قاله شيخ المؤرخين المصريين وكبيرهم تقي الدين أحمد بن علي المقريزي في كتابه "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار" المشهور بخطط المقريزي، والذي يعد سجلًا لتاريخ مصر الاجتماعي في العصور الوسطى، نجده يعد "ليلة الميلاد" ضمن الأعياد المسيحية الكبرى في مصر حتى عصره (النصف الأول من القرن الخامس عشر)، فيقول: "اعلم أن نصارى مصر من القبط ينتحلون مذهب اليعقوبية، وأعيادهم الآن التي هي مشهورة بديار مصر، أربعة عشر عيدًا في كل سنة من سنينهم القبطية: منها سبعة أعياد يسمونها أعيادًا كبارًا، وسبعة يسمونها أعيادًا صغارًا. فالأعياد الكبار عندهم: عيد البشارة وعيد الزيتونة وعيد الفصح وعيد خميس الأربعين وعيد الخمسين وعيد الميلاد وعيد الغطاس...."

 ويقول في موضع آخر من خططه: "الميلاد وهو اليوم الذي ولد فيه عبد الله ورسوله المسيح عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم. والنصارى تتخذ ليلة يوم الميلاد عيدًا، وتعمله قبط مصر في التاسع والعشرين من كيهك، وما برح لأهل مصر به اعتناء."

 كما يقول: "وسنتهم فيه كثرة الوقود بالكنائس وتزينها... ولم يزل بمصر من المواسم المشهورة".

 وبالمناسبة فنحن نحتفل بعيد الميلاد في مصر إلى الآن في 29 كيهك وفقا لتقويمنا المصري والذي يصادف 7 يناير في التقويم الميلادي وكان يقابل قديما 25 ديسمبر حتى قام بابا روما جريجوري الثالث عشر بتعديل التقويم الميلادي في القرن السادس عشر.

  ويصف المقريزي احتفالات عيد الميلاد في أيام الدولة الفاطمية، التي بلغ في عصرها اهتمام الدولة بالاحتفالات الشعبية أقصى مداه، مؤكدًا أن الدولة كانت تعتبر هذا العيد من بين الأعياد الرسمية التي كانت تفرق فيها الأطعمة من قصر الخليفة على أرباب الرسوم من الأمراء وكبار رجال الدولة من المدنيين والعسكريين وعلية القوم عمومًا ويذكر نقلًا عن مؤرخي ذلك العصر وكتابه: "وكان من رسوم الدولة الفاطمية فيه تفرقة الجامات المملوءة من الحلاوات القاهرية، والمتارد فيها السمك، وقرابات الجلاب وطيافير الزلابية والبوري. فيشمل ذلك أرباب الدولة أصحاب السيوف والأقلام، بتقرير معلوم على ما ذكره ابن المأمون في تاريخه."

 ويصف مظاهر الاحتفالات الشعبية بعيد الميلاد في العصر الفاطمي ناقلًا عن ابن الرقيق القيرواني في تاريخه رواية عن الأديب محمد الكهيني قوله: "ما رأيت قط أجمل من أيام النوروز والغطاس والميلاد والمهرجان وعيد الشعانين، وغير ذلك من أيام اللهو التي كانوا يسخون فيها بأموالهم رغبة في القصف والعزف، ذلك أنه لا يبقى صغير ولا كبير إلا خرج إلى بركة الحبش متنزها، فيضربون عليها المضارب الجليلة والسرادقات والقباب والشراعات، ويخرجون بالأهل والولد، ومنهم من يخرج بالقينات المسمعات المماليك والمحررات، فيأكلون ويشربون ويسمعون ويتفكهون وينعمون..." وتشير الرواية إلى حماية الدولة للاحتفال حيث يقول الكهيني: "فإذا جاء الليل أمر الأمير تميم بن المعز مائتي فارس من عبيده بالعسس عليهم في كل ليلة إلى أن يقضوا من اللهو والنزهة أربهم وينصرفوا...."

 أما عن الاحتفال بعيد الميلاد في عصره هو، أي أواخر القرن الرابع عشر وبدايات القرن الخامس عشر، عندما كان المصريون جميعهم من مسلمين ومسيحيين يحتفلون بالعيد، فيقول المقريزي: "وأدركنا الميلاد بالقاهرة ومصر وسائر إقليم مصر موسمًا جليلًا، يباع فيه من الشموع المزهرة بالأصباغ المليحة والتماثيل البديعة بأموال لا تنحصر، فلا يبقى أحد من الناس أعلاهم وأدناهم حتى يشترى من ذلك لأولاده وأهله. وكانوا يسمونها الفوانيس، ويعلقون منها في الأسواق بالحوانيت شيئًا يخرج عن الحد في الكثرة والملاحة. ويتنافس الناس في المغالاة في أثمانها، حتى لقد أدركت شمعة عملت فبلغ مصروفها ألف درهم وخمس مائة درهم فضة، عنها يومئذ ما ينيف على سبعين مثقالًا من الذهب".

 كما يذكر أنه شاهد المتسولون في الطرقات أيام هذه المواسم يطلبون التصدق عليهم بالشموع فيقول: "وأعرف السُّؤال في الطرقات أيام هذه المواسم، وهم يسألون الله أن يتصُدق عليهم بفانوس، فيُشتري لهم من صغار الفوانيس ما يبلغ ثمنه الدرهم وما حوله".

 ويبدو أن الاحتفال بدء يتراجع مع الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي ضربت مصر في القرن الخامس عشر، ويقول في ذلك: "ثم لما اختلت أمور مصر، كان من جملة ما بطل من عوائد الترف عمل الفوانيس في الميلاد إلا قليلًا". 

 كل سنة وكل الناس طيبين...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا

  أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا عماد أبو غازي   إذا كنا نحي هذا العام الذكرى الخمسين لرحيل طه حسين، فهناك مناسبة أخرى مرتبطة به ت...