الخميس، 22 يناير 2015


كلمة في لقاء في ذكرى رضوى

18 يناير 2015
 

 
يوم الأحد الماضي 18 يناير 2015 نظمت مجموعة العمل من أجل استقلال الجامعات (9 مارس) لقاءً في ذكرى رضوى عاشور، شارك فيه عدد من أعضاء المجموعة وأسرة رضوى وبعض أصدقائها وطلابها.
 اختارت زميلتنا الدكتورة هالة كمال مقاطع من أعمال رضوى لتقدم بها كلمات المتحدثين، وكانت تقدمة كلمتي عن دور رضوى عاشور في لجنة الدفاع عن الثقافة القومية، هذا المقطع من "أطياف":
 "في آخر نوفمبر عام 1977 قررت أن تبدأ في بحث موضوع دير ياسين؛ فجمعت ما توفر لها من مادة. كانت تعرف أن هناك رواية صهيونية، تنوي عرضها ودحضها، ورواية أخرى عربية تريد تدقيقها وتفصيلها، ولكنها وهي تجمع المتاح من الوثائق والكتب والمقالات كانت تكتشف خيوطًا جديدة، تتبعها بحرص فتقودها إلى مساحة من المعرفة تقف أمامها مندهشة متسائلة: لماذا ظلت طوال تلك السنين غائبة، من غيّبها، وكيف ولماذا؟ هل هي المحاولة الساذجة للرد على ادعاء الصهاينة بأن الهجوم على القرية كان مبررًا لأنها كانت مركزًا للجنود العراقيين؛ ولكن هل يتطلب إثبات ذلك تصوير أهالي القرية كحملان لا حول لها ولا قوة إزاء سكاكين الجزار؟
 تقول الرواية العربية الشائعة: كان هناك قرويون عزل دخل عليهم رجال الأرغون وليحي وذبحوا 254 من الشيوخ والنساء والأطفال، وأسروا الباقين وطافوا بموكب الأسرى في الأحياء اليهودية من القدس فانتشر الفزع بين العرب فهاجروا خوفًا من أن يصيبهم ما أصاب أهل دير ياسين. هل هذه الرواية دقيقة؟ هل كان أهل دير ياسين غافلين عن الخطر المحدق بهم؟ لم يكن ذلك منطقيًا. بإمكانها وهي جالسة إلى مكتبها، الآن هنا في القاهرة، من مجرد نظرة على الخرائط ومجريات الأسابيع السابقة، أن ترى حدة الخطر: دير ياسين تواجه الضواحي الغربية للقدس، تشرف على طريق القدس ـ يافا (أي طريق القدس ـ تل أبيب). وهي محاطة بسبع مستوطنات يهودية: شرقها "جيفعات شاؤول" و"منونتيفيوري" و"بيت فيجان" تشكل سدًا يفصلها عن القدس؛ وغربها مستوطنة "موتسا" تفصلها عن القسطل. القرى العربية المجاورة: جنوبًا: عين كارم والمالحة. شمالًا: لفتا. قبل أربعة أشهر شن الصهاينة غارات مكثفة على لفتا فسقطت، وهاجموا حيين عربيين في القدس الغربية يكسرون جرار الزيت، يسكبون الجاز على الطحين والسكر والأرز. ثم أقام الإنجليز نقطة تفتيش في القرية تتلى فيها يوميًا في الرابعة مساءً أسماء كل رجال القرية للتأكد من وجودهم.
 تسع سنوات فقط، هل تكفي لكي ينسى الأهالي القهر والمقاومة؟
 تتكاثر بطاقات البحث، تتراكم بين يديها مادة مشعثة، تستخلص منها بعض الأمور ويظل بعضها الآخر غائبًا أو غائمًا أو مراوغًا كخيط تتبعه فينقطع فجأة ويتركها أمام السؤال: ماذا بعد؟
وكانت كلماتي:
ماذا بعد؟ كان ده السؤال اللي بدأ يلح على كتير من المثقفين المصريين في أواخر نوفمبر سنة 1977، بعد زيارة الرئيس السادات للقدس، الزيارة اللي كانت بداية لمرحلة جديدة من الصراع العربي الإسرائيلي ونقطة تحول فيه.
 شهور قليلة بعد الزيارة اللي كان شعارها "كسر الحاجز النفسي" وابتدت بوادر التطبيع الثقافي مع إسرائيل، من ناحية زيارات لشخصيات إسرائيلية لمصر ومصريين يزوروا إسرائيل حتى من قبل توقيع المعاهدة.
 ومن ناحية تانية بدأت حملة للتلاعب بالوعي؛ الترويج لافكار زي إن الفلسطنيين هما اللي باعوا أرضهم، وزي إحنا مالنا ومال فلسطين.
 كان واضح إن المواجهة هتكون ثقافية بالدرجة الأولى.
 في مارس سنة 1979، وبعد توقيع المعاهدة بأيام قليلة عقد مجموعة من الكتاب والاُدباء والفنانين والأكاديميين المصريين مؤتمر في حزب التجمع وخرجوا منه بتشكيل لجنة الدفاع عن الثقافة القومية، كانت اللجنة بتعرّف نفسها بإنها: "لجنة جبهوية تعمل في إطار حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي أعضائها من الحزبيين ومن غير الحزبيين."
 
 

 كانت رضوى عاشور واحدة من مجموعة المثقفين اللي قرروا التصدي للتطبيع الثقافي والوقوف في وش التيار الجارف والدفاع عن الثقافة القومية.
اللجنة كانت بتشتغل على قضية مواجهة التطبيع الثقافي مع إسرائيل بشكل أساسي، لكن كمان كانت مهتمة بالتعريف بالثقافة الوطنية ومواجهة ثقافة التبعية.
  رضوى عاشور كانت من العضوات البارزات في اللجنة وكان دورها واضح في كل أنشطتها، يعني نقدر نقول كانت جزء من القلب الأساسي جنب أستاذتها الدكتورة لطيفة الزيات مقررة اللجنة.
لكن الدور الأبرز لها كان من خلال رئاستها لتحرير المواجهة.
 

 
المواجهة بدأت كنشرة إعلامية من صفحات قليلة بتتطبع طباعة ماستر، ضمن ظاهرة النشرات غير الدورية اللي بدأت في النص التاني من السبعينات، ولمدة سنتين بداية من يوليو 81 صدر تسع أعداد من النشرة.
 لكن من يونيو 1983 اتحولت لشكل الكتاب غير الدوري اللي بيعتمد على الدراسات والتقارير والعروض مع الاحتفاظ بقسم خبري.
من الوقت ده تولت رضوى عاشور رئاسة تحرير المواجهة، وكنت سكرتير تحرير للمواجهة معاها، وبين يوليو 83 ويوليو 88 صدر سبع أعداد من كتاب المواجهة.
قراية الافتتاحيات بتلقي لنا ضوء على بعض أفكار رضوى عاشور ومواقفها.
 في الوقت اللي باقي لي هأسيب الكلام لرضوى، هابتدي بأول فقرة من إفتتاحية العدد الأول من كتاب المواجهة، اللي صدر في يوليو سنة 83،  وكان عنوانها، المواجهة لماذا؟ قالت رضوى:
"لا نعتقد اننا نبالغ حين نقول أن ما شهدته مصر في السنوات العشر الأخيرة من عمل أيديولوجي وإعلامي مسخر لخدمة الثورة المضادة يفوق كل ما عرفته في تاريخها الحديث.
 كان الهدف هو إخراج مصر من معسكر التحرر الوطني... وكان المطلوب تحديدًا هو تبعية مصر، اقتصاديًا وسياسيًا، أما الأداة فكانت ثقافة التبعية، إشاعة القيم والأفكار وأنماط السلوك والرموز التي تجعل ذلك التحول في هوية مصر الرسمية وولاءاتها يتم بهدوء ويسر وبلا مقاومة تذكر."
  وفي نفس الافتتاحية، وتحت عنوان "طمس الذاكرة"، قالت:
 "سوف تشهد مصر السبعينيات عملًا مكثفًا في الإذاعة والصحافة والتلفزيون لطمس الذاكرة الوطنية بما يضمن إعادة النظر في ثوابتها."

وفي شهر نوفمبر 1984 صدر العدد التالت من كتاب المواجهة  في الذكرى السابعة لزيارة السادات للقدس، رضوى قالت في افتتاحية بعنوان السبع العجاف:

 "مرت سبع سنوات على ذلك المساء الخريفي الذي حطت فيه طائرة تحمل اسم مصر ورسم علمها وعددًا من حكامها في مطار إسرائيلي داخل الأرض الفلسطينية...

 الرسميون العرب يزرعون لغة جديدة تكثر فيها مفردات السلام والواقعية والممكن والمتاح. لغة زائفة تكشفها كل يوم الوقائع التي تؤكد بما لا لَبْس فيه أن التعايش بين المشروع الصهيوني ومشروع التحرر العربي غير ممكن لأن أحدهما هو نفي الآخر."

وبعدين بتقول:

"ولأننا نعي لُب هذا الصراع وحقيقته، ولأننا أوفياء حتى الشهادة لمشروع التحرر والنهضة العربي نعرف أنه لا سبيل أمامنا سوى المضي من أجل استئصال الصهيونية ومشروعها. كما نعرف أيضًا أن التبعية للإمبريالية بكل ما يترتب عليها اقتصاديًا وسياسيًا وثقافيًا إنما تشكل الحلقة الرئيسية في الصراع القائم من أجل المستقبل.

 إن لجنة للدفاع عن الثقافة القومية، أو مجلة صادرة عنها، لا تدحر دبابات الغزاة ولا تسقط أسراب طائراتهم المعتدية، ولكنها رغم ذلك يمكن أن تلعب دورًا لا يستهان به على الجبهة الثقافية بفضح الوعي الزائف، والتبصير بالمخاطر، ونشر القيم الوطنية والديمقراطية، وإزكاء الروح النضالية."

 العدد الرابع صدر في أبريل 85 علشان يوثق المواجهة الواسعة لاشتراك إسرائيل في معرض الكتاب، ودي كانت تالت مرة إسرائيل تشارك فيها، وتالت مرة تتصدى اللجنة للمشاركة، وده كان جزء من نشاط لجنة الدفاع عن الثقافة القومية في وسط الجمهور، أول مرة سنة 81 وتاني مرة سنة 82، وكانت معارضة الاشتراك من اللجنة وعدد من الشخصيات العامة، أما في 85 فكانت المعارضة أوسع بكتير، وجزء من السبب راجع لجهود اللجنة طول ست سنين .
وده اللي يترصده رضوى في افتتاحية العدد الرابع اللي كانت بعنوان، ولَك يا مصر السلامة، قالت رضوى:

"إن تجربة معرض الكتاب الدولي السابع عشر مليئة بالدروس المستفادة ومؤشر هام على أن أي قدر من العمل الواعي والمخلص مهما كان متواضعًا يؤتي بثمار لا يمكن اغفال قيمتها."

وبتكتب في الافتتاحية تحليل للوضع بتقول فيه:

 "رغم مرور ما يقرب من ست سنوات على توقيع الاتفاقية المصرية الإسرائيلية، ورغم العلم الاسرائيلي الذي يرفرف على تلك العمارة المشرفة على النيل وعلى بقعة من أكثر بقاع العاصمة ارتباطًا بتاريخ مصر الحديث حيث الجامعة والنصب التذكاري لشهدائها وتمثال نهضة مصر، ورغم عقد اتفاقيات ثقافية تسمح بتبادل وفود ومعارض فنية وإقامة مركز أكاديمي إسرائيلي في القاهرة، ونقول رغم هذا كله فلازال المثقفون المصريون عند موقفهم المبدئي برفض كافة أشكال التطبيع مع الدولة الصهيونية، ومن هنا فقد عارضوا وشجبوا وأدانوا وواجهوا اشتراك إسرائيل في معرض الكتاب الدولي السابع عشر...

إن موقف المثقفين المصريين من اشتراك إسرائيل في معرض الكتاب هو رسالة لكل من يهمه الأمر:
 لأن اسرائيل تحتل فلسطين والجنوب اللبناني والجولان السورية وطابا المصرية.
ولأن اسرائيل لها تاريخ حافل بالعدوان والتوسع واقتراف المذابح الجماعية وإقامة معسكرات الاعتقال.
لأن إسرائيل تعامل المواطنين العرب في فلسطين المحتلة عام 1948 معاملة المواطنين من الدرجة الثانية.
لأن إسرائيل دولة عنصرية تنشر الفكر الفاشي المناهض للعرب وتحظر تداول الكتب العربية ذات المضمون التحرري، وتغلق الجامعات العربية وتقمع الطلاب وتشرد الأساتذة المساندين لقضية تحرير فلسطين.
لأن إسرائيل هي إسرائيل فنحن لا نريدها.
فهل وصلت الرسالة؟"

ومع صدور العدد الخامس في سبتمبر 85 كان القتال مشتعل في المخيمات الفلسطينية في لبنان، فقالت رضوى:

"إن المشهد الراهن مفجع ومربك ولكننا لا نريد أن نيأس ونرتبك، نريد أن نرفع صوتنا عاليًا وحاسمًا ضد اقتتال رفاق الخندق الواحد في حركة التحرر العربي، وضد إراقة الدم الفلسطيني، مؤكدين ما كنا نظن أنه مفروغ منه وواضح لا لَبْس فيه.

 إننا نريد أن نرفع صوتنا بشجب وإدانة وتجريم كافة أشكال الطائفية والتمزيق والتشرذم وتفتيت صف القوى الوطنية، نريد أن نجرم تحويل الأفراح الى مأتم"
العدد السابع والأخير صدر وانتفاضة الحجارة الفلسطينية في شهرها الرابع، وكان عنوان افتتاحيتها "الحجارة والذاكرة واليقين" اللي قالت فيها رضوى:

"لقد دخلت الانتفاضة شهرها الرابع ووصل عدد الشهداء 111 شهيدًا، يزيدون كل يوم، وقد يتضاعف عددهم عند الانتهاء من طباعة هذا الكتاب، فضلًا عن مئات الجرحى والنساء اللاتي اجهضن بسبب الغازات السامة وآلاف المعتقلين.

 لقد فاجأت الانتفاضة بحجمها واتساعها واستمرارها الجميع، فاجأت الاحتلال الصهيوني والأنظمة العربية بل لا نبالغ لو قلنا أنها فاجأت قيادات الثورة الفلسطينية نفسها، ومع ذلك فليست هذه الانتفاضة إلا امتدادًا لنضالات الشعب الفلسطيني منذ بدايات القرن، إنها امتداد لانتفاضات 1919، 1921، 1929، 1936."

حقيقي ده كلام مر عليه النهارده حوالي 30 سنة، وحقيقي رضوى غايبة عن لقائنا بشخصها، لكن أفكار رضوى وكلمتها، روح رضوى وضميرها الحي معانا دايمًا.
 


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا

  أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا عماد أبو غازي   إذا كنا نحي هذا العام الذكرى الخمسين لرحيل طه حسين، فهناك مناسبة أخرى مرتبطة به ت...