الجمعة، 5 سبتمبر 2014

دي مقدمة كتابي الجديد عن ثورة 35 المفروض يصدر عن هيئة قصور الثقافة في سلسلة "حكاية مصر"، الكتاب خلصته سنة 2010 ورجعت عملت له مقدمة وإهداء جديد...
حكاية ثورة الشباب 1935

عماد أبو غازي

إهداء جديد
إلى

زياد بكير ومريم نظمي وأحمد بسيوني وكريم بنونة وسيف الله مصطفى ومحمد عماد حسين و سالي زهران ومينا دانيال وأحمد صلاح

إلى كل شهداء ثورة 25 يناير ومن انضم إليهم من شهداء ماسبيرو وشهداء محمد محمود ومجلس الوزراء
 إلى شهداء الألتراس في بورسعيد
إلى جابر جيكا والحسيني أبو ضيف وكريستي والجندي وميادة
إلى أحمد حرارة ورفاقه الذين فقدوا أبصارهم من أجل أن تبصر مصر
إلى ماهينور المصري وأحمد دومة وماهر وعادل وعلاء عبد الفتاح ويارا سلام وسناء سيف ونوبي وعمر حاذق وزملائهم من شباب الثورة الذين أصبحوا ضحايا قانون التظاهر

إلى أصحاب ثورة جيل يغير وجه مصر
لقد كتبتم بدمائكم ونور عيونكم تاريخًا جديدًا لهذه الأمة وفتحتم الباب من أجل تحقيق حلمنا الذي لم ندركه
ستظل أسماؤكم محفورة في ذاكرة الوطن

بعد الثورة وقبل المقدمة

  انتهيت من هذه الكتاب حول انتفاضة نوفمبر 1935، التي عرفت باسم "ثورة الشباب" في الأسابيع الأخيرة من عام 2010، وقد جمعت في الكتاب سلسلة من المقالات نشرتها في الإصدار الثاني من الدستور الأسبوعي قبلها بعامين وأعدت صياغتها في شكل كتاب، وكنت أنوي إصداره بمناسبة مرور خمسة وسبعين سنة على قيام هذه الثورة التي تعد مرحلة مهمة من مراحل النضال الوطني الديمقراطي في مصر، وحلقة من حلقات الحركة الطلابية المصرية.
 تأخرت قليلًا في مراجعة النص فقامت الثورة المصرية في 25 يناير 2011 لتفتح صفحة جديدة في تاريخ مصر، صفحة خطها شباب العقد الأول من الألفية الثالثة بدمائهم ونور عيونهم وحريتهم، مثلما خط الأسلاف من شباب ثلاثينيات القرن العشرين ثورتهم بالدماء من أجل الاستقلال والدستور.
 وحال تتابع الأحداث دون أن أنتهي من هذا النص، وها أنا أنتهي منه بعد أكثر من ثلاث سنوات على تفجر ثورة يناير جرت فيها مياه كثيرة في النهر، تبدلت المواقف، وما زالت أهداف الثورة في العيش والحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية بعيدة لم تتحقق، بل إننا تراجعنا إلى الوراء في كثير من القضايا، ارتفع صوت الثورة المضادة، وأصبح شباب الثورة ضيوفًا للسجون بقوانين مخالفة للدستور، وعندما فشلت محاولات تدجين الشباب الثائر، تعالت الأصوات التي تحاول أن تسلب الثورة من الجيل الذي قام بها مرات باتهامات ضالة توجه لهم، تصل إلى حد إدانة الثورة واعتبارها جزءًا من مؤامرة كونية، وفي أحسن الأحوال بالزعم بأن الثورات لا يمكن أن تنسب إلى جيل دون غيره، والادعاء بأن وصف الثورة بأنها ثورة الشباب تجاوز للواقع وللتاريخ، متناسين أن في تاريخنا ثورة أجمع من وصفها على أنها ثورة للشباب كانت استكمالًا للثورة المصرية في سنة 1919، أعني ثورة الشباب في عام 1935، ومغمضين أعينهم عن أن العالم شهد في عام 1968 حراكًا كان بكل المعايير ثورة للشباب في العالم غيرت القيم والمفاهيم التي سادت منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وفتحت الأبواب أمام عصر جديد. لقد كانت الانتفاضة الطلابية في 1935 ثورة للشباب، مثلما كان ما حدث في يناير 2011 ثورة للشباب. خرجت ثورة الشباب في 35 جيلًا من قادة العمل السياسي استمر بعضهم ممارسًا وفاعلًا حتى ثمانينيات القرن الماضي، وبالمثل سيكون الجيل الذي قاد ثورة يناير 2011 محركًا لمستقبل البلاد للسنوات القادمة مهما حاولت "دولة العواجيز" أن تحول بينه وبين قيادة مقدرات هذا البلد.

 
إهداء أول

إلى

الشهيد محمد عبد الحكم الجراحي شهيد العلم

أهدي هذا الكتاب 

 
الشهيد محمد عبد الحكم الجراحي

مقدمة
نوفمبر 1935 ـ  نوفمبر 2010
اليوبيل الماسي لثورة الشباب

  في تاريخ الوطن صفحات مضيئة خطها بدمائهم أبطال منسيون، وأيام ينبغي أن نحفظها في ذاكرة التاريخ، ومحمد عبد الحكم الجراحي واحد من هؤلاء الأبطال، ويوم 14 نوفمبر يوم من هذه الأيام.
 ففي هذا اليوم من عام 2010 مرت الذكرى الخامسة والسبعون لثورة الشباب، تلك الثورة التي فجرها شباب مصر عام 1935 في مواجهة استبداد الملك فؤاد وحكوماته التي ألغت الدستور وأهدرت الديمقراطية.
 تلك الثورة التي سقط فيها عدد من الشهداء من قادة الحركة الطلابية المصرية ومن العمال والمواطنين وتوجت نضالًا شعبيًا استمر لسنوات، وكللت بالنجاح برضوخ فؤاد وعودة دستور 1923 بعد غياب دام أكثر من خمس سنوات. كان أشهر هؤلاء الشهداء الذين غيروا تاريخ مصر بدمائهم عبد الحكم الجراحي شهيد العلم، الذي أصيب بالرصاص في مظاهرة 14 نوفمبر واستمر يصارع الموت خمسة أيام.
 كان محمد عبد الحكم الجراحي يومها شابًا في العشرين من عمره، كان طالبًا في كلية الآداب بالجامعة المصرية، "وسيم الطلعة، يلتمع الذكاء من عينيه، محبوبًا من زملائه، دمث الأخلاق"، كما تصفه المصادر المعاصرة.
 تفتح إدراك عبد الحكم الجراحي على الحياة ومصر تعيش ثورتها الكبرى سنة 1919، التحق بالجامعة المصرية والبلاد في ظلال أسوأ الانقلابات الدستورية التي عرفتها. ففي سنة 1930 تولى إسماعيل صدقي باشا الحكم، وألغى دستور 1923، ووضع دستورًا جديدًا للبلاد عرف بدستور 1930، رسخ فيه سلطات الملك على حساب سلطات الأمة ممثلة في مجلسها النيابي، وعصف بكل المكاسب التي حققها الشعب المصري طوال نضاله منذ سنة 1795، وتوجها في ثورة 1919.
 استمر صدقي في الحكم ثلاث سنوات اشتدت فيه المعارضة وتصاعدت، فاستقال صدقي بإيعاز من الملك في سبتمبر 1933، ولم يؤد سقوط صدقي إلى انتهاء الانقلاب الدستوري، بل استمرت نفس السياسة المعادية للدستور وللشعب، على يد حكومة حزب "الشعب" برئاسة الرئيس الجديد للحزب وللحكومة عبد الفتاح يحيي، واستمر دستور 1930 الذي سلب من الشعب حقوقه.
وفي خريف 1934 كلف الملك فؤاد توفيق نسيم باشا بتشكيل الوزارة في محاولة، كما أصدر مرسوما ملكيًا بإلغاء دستور 30 المرفوض شعبيًا، إلا أنه لم يُعد العمل بدستور 1923.
 وفي سنة 1935 كانت الأمة تموج بالغضب على الأوضاع، فالاحتلال البريطاني مستمر، والدستور المعبر عن إرادة الأمة معطل، والأحزاب السياسية منقسمة على نفسها، لكن في نوفمبر من هذا العام انفجرت ثورة الشباب، وبدأت الثورة من الجامعة والمدارس الثانوية في يوم 13 نوفمبر سنة 1935، وفي اليوم التالي تفجر الموقف في الجامعة فخرجت المظاهرات إلى ميدان الجيزة ثم اجتازت كوبري عباس، وفي الروضة تصدت قوات شرطة القاهرة التي كان يقودها ضباط وكونستبلات إنجليز للمتظاهرين وأطلقت الرصاص عليهم، وأصيب محمد عبد المجيد مرسي الطالب بكلية الزراعة برصاصة في صدره فكان أول الشهداء يوم 14 نوفمبر، وكان حامل العلم في هذه المظاهرة الطالب محمد عبد الحكم الجراحي الذي ظل يتقدم رافعًا علم مصر رغم تحذيرات قوات الأمن، فأصابته ثلاث رصاصات في بطنه نقل على أثرها إلى مستشفى قصر العيني، وهناك ظل الجراحي يقاوم الموت، وبعد خمسة أيام صدرت الصحف يوم 20 نوفمبر تحمل نبأ وفاته، وكان لوفاة الجراحي أعمق الأثر في وجدان المصريين، وصار رمزا للنضال الوطني لطلاب الجامعة المصرية.
 ولم تذهب دماء الجراحي ورفاقه سدى فقد امتد الاحتجاج والثورة إلى كل هيئات الأمة وطوائفها، وتصاعدت المظاهرات، ونجحت ثورة الشباب سنة 1935 في دفع قادة الأحزاب إلى تشكيل الجبهة الوطنية، وفي يوم الخميس 12 ديسمبر 1935 تقدمت حكومة توفيق نسيم باستقالتها، وأصدر الملك أمرًا ملكيًا بعودة الدستور، وانتصر الشعب.

*****
  كانت معرفتي الأولى بثورة الشباب من خلال جدتي لأبي التي كانت تسكن في حي منيل الروضة منذ عام 1930، فأذكر أنها حكت لي وأنا طفل صغير في أواخر الخمسينيات قبل أن ألتحق بالمدرسة، عن مظاهرات الطلبة سنة 1935، وكيف لجأ مجموعة من المتظاهرين إلى العمارة التي كانت تسكن فيها هربًا من ملاحقة البوليس لهم وعنفه في مواجهتهم، فدعتهم للدخول في شقتها للاحتماء بها من البوليس، فدخل مجموعة منهم، بينما رفض آخرون الدخول وفضلوا اللجوء إلى سطح المنزل، فلم يكن في الشقة غير جدتي وبناتها طالبات الابتدائي، فقُبض على من صعدوا للسطح، لأن الجار الذي رفض دخولهم شقته أرشد عنهم، بينما طلبت هي من الشبان الذين احتموا بها أن يجلسوا كأنهم من أهل المنزل والأقارب ويتعاملوا بشكل طبيعي، وتصدت لمأمور قسم مصر القديمة الذي حاول دخول الشقة للتأكد من هوية الطلاب، ومنعته من الدخول دون إذن من النيابة، ثم نزلت بعد ذلك إلى الشارع لتضمن أن أبي الذي كان طالبًا بمدرسة الخديوي إسماعيل الثانوية بشارع نوبار سيمر من الحواجز الأمنية التي أقامها البوليس في شارع المنيل.
 بالنسبة لأبناء جيلي كنا نعرف أحداث ثورة الشباب ونسمع عن الجراحي ورافقه من حكايات الآباء والأمهات والجدود والجدات الذين عاصروا الحدث، كما كنا نعرف هذه الأحداث من الأعمال الأدبية التي عبرت عن تلك اللحظة التاريخية وجسدتها، خاصة من روايتي "القاهرة الجديدة" لنجيب محفوظ و"الشوارع الخلفية" لعبد الرحمن الشرقاوي، بالنسبة لي شاهدت العملين كفيلم سينمائي ومسرحية قبل أن أقرائهما كنصوص روائية؛ فالرواية الأولى تحولت في الستينات لفيلم من إخراج المبدع صلاح أبو سيف، أما الرواية الثانية فقد تحولت إلى عمل مسرحي من إخراج سعد أردش في الستينيات أيضًا، ثم قدمها بعد ذلك في السينما المخرج كمال عطية، ومؤخرًا كمسلسل تلفزيوني من إخراج جمال عبد الحميد عرض عام 2011.
 عندما التحقت بالجامعة سنة 1972 كان أحد المدرجين الرئيسيين بكلية الآداب (مدرج 74) يحمل اسم الشهيد عبد الحكم الجراحي، ولم يعد كذلك الآن! وجددت التعرف على الشهيد عبد الحكم الجراحي من خلال الشعر، عندما استمعت في ندوة من الندوات التي كانت تنظمها أسرة مصر بالكلية إلى قصيدة الشاعر زين العابدين فؤاد، الذين كان يكبرنا بأعوام قليلة، وكان أحد قادة الحركة الطلابية في 68، يقول زين في قصيدته "عبد الحكم رفع العلم"، مخاطبًا الشهيد عبد الحكم الجراحي:

باكتب لك
لجل امسح عن قلبي
عار الخوف والرجفة
أمسح عن رجلي ذل الوقفة
باكتب لك
لاجل أهرب م الموت جوايا
ترفع إيدك بالراية
تمسح إيدك علي جدري، وتورُقني
تمسح إيدك علي قلبي
في بحور الدم تغرقني
باكتب لك
إطلع، إطلع، من جلد الموت
من برج النسيان الأسود
إزعق بالصوت
يطلع كرابيج بتمزقني
داسوا بجزمهم علي وشّي
ولاصرختش
وقفوا في وشك
ردّيت
رفعوا بنادقهم علي صدرك
عدّيت، مدّيت
ضربوا، مزقت جروحك وكتبت
وأنا في الأوضة الضلمة باكتب لك
علشان أهرب حتي من نفسي

.......
ما انتش أول واحد
ولا آخر واحد
يا حبيبي يا حباية عنقود شهدا
باكتب لك، وباحس بروحي بتتاخد
وانا في الأوضة
مش تحت الشمس علي الكوبري
مش وسط الظابط والعسكر
انا في الأوضة
بانهج، باجري
إرفع علمك
أنا مش قادر أمسك قلمي
إرفع علمك
ما انتش أول واحد
ولا آخر واحد
يرفع علمي..
 مرة أخرى التقيت بشباب 35 في صيف عام 1975، عندما أمضيت الجزء الأكبر من الإجازة الصيفية في قاعة الدوريات بدار الكتب، منقبًا في صحف عام 1935 حيث كنا نعد في جماعة التاريخ المصري في كلية الآداب للاحتفال بالذكرى الأربعين لمظاهرات نوفمبر 35، وطالعت بعدها كتابًا للمؤرخ ضياء الدين الريس بعنوان "الدستور والاستقلال والثورة الوطنية"، صدر الجزء الأول منه عام 1975، وصدر الجزء الثاني في العام التالي، والغريب أنني لم ألتفت وقتها للقصة التي تشكل الفصل الأخير من الكتاب، والذي يكشف فيه المؤلف عن دوره في توحيد الطلاب أثناء أحداث ثورة الشباب سنة 1935، ورغم استعانتي بهذا المرجع المهم مرات ومرات ظللت أجهل سر الرجل الذي وحد الأمة إلى أن بدأت في إعداد هذه السلسلة من المقالات، التي أقدمها اليوم كتابًا بين أيديكم، أتمنى أن يلقي ضوء على صفحة من صفحات نضالنا الوطني.
 ورغم أن هذا الكتاب يتحدث عن ثورة الشباب سنة 1935، إلا أن فهم ما حدث في شهري نوفمبر وديسمبر من ذلك العام يتطلب منا عودة إلى الوراء، إلى صيف عام 1930 عندما بدء الانقلاب الدستوري الذي استمر لما يجاوز السنوات الخمس، لنعرف كيف بدأت الأزمة؟ وكيف تطورت؟ إلى أن تفجرت ثورة الشباب... لنبدأ الحكاية من البداية.

*****

هناك تعليق واحد:

  1. ألف مبروك يا أستاذي على الكتاب الجديد ربنا يوفقك دائماً لخدمة الثقافة والتاريخ دمتم للعلم نبراساً .

    ردحذف

أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا

  أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا عماد أبو غازي   إذا كنا نحي هذا العام الذكرى الخمسين لرحيل طه حسين، فهناك مناسبة أخرى مرتبطة به ت...