الاثنين، 14 مايو 2018

من أوراق بدر الدين أبو غازي (6) المقالات الأولى


من أوراق بدر الدين أبو غازي (6)

المقالات الأولى

 الكتابة كانت شيء أساسي في حياة بدر الدين أبو غازي من طفولته، كل ما أدور في أوراقه ألاقي كتابات في أجندات وعلى ورق من كراريس أو جوه الكراريس، قبل كده نشرت حاجات من اللي كتبها سنة 1934 وهو عنده 14 سنة، النهار ده هانشر أول مقالات كتبها واتنشرت في الجرايد، كان عمره 16 سنة وكام شهر، وكانت المناسبة الذكرى السبعتاشر لوفاة محمد فريد، كتب المقالة وبعتها للأهرام بالبوسته، وكانت المفاجأة إن الأهرام نشر المقال في الصفحة الأولى بتوقيع بدر الدين محمود.
 ده شجع بدر إنه السنة اللي بعدها يبعت مقال تاني في نفس المناسبة لنفس الجرنال، وبرضه الأهرام نشر المقالة في الصفحة الأولى بتوقيع بدر الدين أبو غازي.
 دول كانوا أول مقالتين يتنشروا لبدر الدين أبو غازي وهو تلميذ في ثانوي عنده 16 سنة و17 سنة، وفين؟ في الصفحة الأولى للأهرام، في المكان اللي بقى بعد كده مكان مقالة رئيس التحرير!




ده المقال الأول:




محمد فريد بك

بمناسبة مرور سبعة عشر عامًا على وفاته

 سبعة عشر عامًا انقضت على وفاة الزعيم الثاني للنهضة الوطنية، فطويت بوفاته صفحة من صفحات التاريخ الخالدة، واحتجبت آية من آيات الوطنية الصادقة، وراح رجل من رجالات مصر الخالدين.
 ولد فريد في بيت من أعرق بيوتات المجد في مصر، كان والده المغفور له أحمد فريد باشا ناظر الدائرة السنية، وما أن بلغ السابعة من عمره حتى أدخله مدرسة خليل أغا الابتدائية، ثم يلتحق بمدرسة الفرير الفرنسية، ثم بالمدرسة التجهيزية الثانوية، وبعد ذلك التحق بمدرسة الألسن ومنها إلى مدرسة الحقوق المصرية، وهنا انتهى السفر الأول من حياة ذلك البطل المجيد.
 ولقد طالع فريد إبان تلك المرحلة الأولى من حياته تاريخ مصر، وقرأ في الصفحات الخالدة مجدها القديم، واستعرض حياتها الماضية والحاضرة، فأتيح له أن يسمع من بين ثنايا سطور تاريخها الحديث أنةً موجعةً وقفت لها دقات قلبه، فما لبث أن استرعى صوت استغاثتها سمعه فاندمج منذ أتم تعليمه في قافلة المجاهدين.
 وقد تقلد مناصب الحكومة مدة قليلة، حتى كان عام 1896 العام الذي تعرف فيه بصديقه مصطفى كامل، وأخذا يعملان جنبًا إلى جنب، فلاحظت حكومة الاحتلال ذلك فأرادت أن تنقله من القاهرة إلى مغاغة، لكنه ابى، تاركًا مناصب الحكومة لينضم إلى العاملين في سبيل الوطن، فلما والده المغفور له فريد باشا أن ابنه انصرف إلى السياسة مذ تعرف بمصطفى أراد أن يستعين بابن عمه رياض باشا على إبعاده عن صاحبه مصطفى، فما كان من فريد إلا أن قال عبارته الخالدة:
"‘ن الوطني الذي يحب بلاده لا يتعرف إلا إلى من هم على شاكلته، وقد وجدت في صديقي وأخي مصطفى قلبًا كقلبي، ونزعة كنزعتي، وفصاحة خلابة، ووطنية صادقة، فوالله الذي وهبنا نعمة الشعور واليقين لا أبتعد عنه إلا بالموت".
 وظل فريد يعمل في الحزب الوطني حتى كان عام 1908، الذي صعدت فيه روح مصطفى كامل إلى ربها، وهنا نظرت مصر حائرة كالسفينة التي تتقاذفها الأمواج، وإذا بفريد الرجل الذي يدير دفتها ليوصلها إلى بر السلامة، وإذ بنا نراه سجينًا في سجن الاستئناف بين جدران حجرة مظلمة، ثم إذا بنا نرى فريدًا في السجن لأنه كان ينشد الحرية وينادي بالاستقلال، غير أن القوة لم تستطع أن تحول الزعيم الخالد عن عقيدته بل زادته حماسةً وإقدامًا.
 وفي 25 مارس سنة 1912 فارق فريد بلاده لا غاضبًا عليها بل متغربًا في سبيلها كي يتمكن من أن يسمع العالم صوتها. وهناك في عالم الحرية وقف يطالب بحقوق هذه الأمة ذات المجد الخالد، وينشر ظلامتها ويدافع عن قضيتها، فبرهن على أن مصر جديرة بالاستقلال، ورفع اسم بلاده في مؤتمرات أوروبا، فقد مثلها في مؤتمر السلام وفي مؤتمر الأجناس، وحصل من أعضاء المؤتمر الأول على قرار يحتجون فيه على بقاء الاحتلال البريطاني في مصر.
 وبينما الحرب الكبرى دائرة الرحى والمنايا تتخطف الأرواح، وقد اشتد الاضطراب وأخذ الجزع من النفوس كل مأخذ، كان فريد ينادي باسم مصر وينشد لوادي النيل الحرية والاستقلال وسط طلقات المدافع وسحب الدخان الكثيف وشظايا القنابل، ولما انتهت الحرب بما انتهت إليه لم ييأس فريد ولم يتسرب القنوط إلى نفسه العالية، بل ضاعف جهوده وأخذ يستحث العالم على إنقاذ مصر البائسة مصر المقيدة بقيود الاستعمار، وأرسل إلى رؤساء الدول الأوروبية مذكرات ضافية عن حوادث الاستعمار، وفي مقدمة هؤلاء الدكتور ولسن، ثم أصدر مجلة شهرية لا تتحدث إلا عن مصر، ولا تنشر الدعاية إلا لمصر، حتى أنه كتب في الاستعمار البريطاني والقضية المصرية باللغة الفرنسية، منذ وضعت الحرب أوزارها إلى شهر أغسطس عام 1919، ما يقرب من ألفي صفحة.
 وهكذا سكنت تلك القوة التي أخرجت شعبًا من الظلمات إلى النور، وقادته إلى طريق الحرية، وأفهمته معنى الحياة. وهكذا مات فريد وقلبه يخفق بحب مصر.
 هناك وسط مدينة الأموات الهادئة يرى المار قبرًا لا يزوره إلا النفر القليل من الناس، هو قبر محمد فريد الزعيم الثاني لنهضة مصر والرجل الذي جاهد في سبيل حرية هذا الشعب.
 آلا فسلام على روح فريد التي ترفرف في سماء وادي النيل بعد أن بذرت بذور الحرية والاستقلال.
بدر الدين محمود"


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لطيفة الزيات: قائدة في انتفاضة ١٩٤٦ وفارسة في مواجهة التطبيع

  لطيفة الزيات: قائدة في انتفاضة ١٩٤٦  وفارسة في مواجهة التطبيع   عماد أبو غازي     لطيفة الزيات علامة من علامات الجيل الذي ولد بعد ثو...