الخميس، 10 مارس 2016

9 مارس يوم لكرامة الجامعة واستقلالها
استقالة مدير الجامعة بسبب طه حسين
عماد أبو غازي
(نشرت هذا المقال في جريدة الدستور ـ صفحة تراث الأمة ـ في مارس 1996)
 عندما وقع الانقلاب الدستوري في مصر سنة 1930 أطاحت حكومة إسماعيل صدقي بالمؤسسات الديمقراطية في مصر، واعتدت على الحريات العامة في البلاد، وكانت الجامعة من بين الجهات التي تعرضت لبطش حكومة صدقي، أما الضحية في الجامعة فهو عميد كلية الآداب في ذلك الوقت طه حسين الذي صدر قرار من وزير المعارف بنقله إلى وظيفة إدارية في الوزارة وإبعاده عن عمادة كلية الآداب وعن الجامعة، وإذا كان المؤرخون لم يتفقوا على الأسباب المباشرة لإبعاد طه حسين عن الجامعة؛ إلا أن الأمر الذي لا شك فيه أن هذا الإبعاد كان تعديًا صارخًا على استقلال الجامعة وعلى كرامة أساتذتها وعلى حرية البحث العلمي فيها، الأمر الذي استثار المجتمع الجامعي طلابًا وأساتذةً، وأسفر عن استقالة مدير الجامعة آنذاك أحمد لطفي السيد باشا.
أحمد لطفي السيد مع طلاب الجامعة
 ومنذ سنوات قليلة دعا أحد شباب جامعة القاهرة، وهو الصديق والزميل هاني الحسيني المدرس بكلية العلوم إلى الاحتفاء باليوم الذي استقال فيه أحمد لطفي السيد من رئاسة الجامعة تضامنا مع أحد أبرز أساتذتها، وطالب بأن يكون يوم 9 مارس "عيدًا للجامعة وأساتذتها" و"يومًا للأستاذ الجامعي"، وأعاد نشر خطاب استقالة أحمد لطفي السيد باشا.

 وصفحة تراث الأمة تعيد اليوم مرة أخرى نشر هذه الوثيقة المهمة تأكيدًا لمعاني الدفاع عن استقلال الجامعات وعن كرامة أساتذتها.
 "هليوبوليس في 9 مارس سنة 1932
 إلى حضرة صاحب المعالي وزير المعارف العمومية
 أتشرف بإخبار معاليكم أني أسفت لنقل الدكتور طه حسين عميد كلية الآداب إلى وزارة المعارف، لأن هذا الأستاذ لا يستطاع فيما أعلم أن يعوض الآن على الأقل في الدروس التي يلقيها على الطلبة، ولا في محاضراته العامة للجمهور، ولا في جهة هذه البنية العلمية التي خلقها حوله وبث فيها روح البحث الأدبي وهدى إلى طرائقه.
 أسفت أيضًا على هذا النقل الفجائي لأن الدكتور طه حسين أستاذ في كلية الآداب تنفيذًا للعقد الذي تم بين وزير المعارف وبين الجامعة القديمة، ثم أسفت أشد من ذلك كله لأن نقله على الصورة التي عليها وبدون رضاه وبدون رضا الجامعة كما جرت عليه التقاليد المطردة منذ نشأتها فيما أعرف؟ كل ذلك يودي بالسكينة والاطمئنان الضروريين لإجراء البحوث العلمية، وهذا بلا شك يفوت على أجل غرض قصدت إليه خدمة الجامعة.
 من أجل ذلك قصدت يوم الجمعة الماضي إلى حضرة صاحب الدولة رئيس مجلس الوزراء واستعنته على هذا الحادث الجامعي، واقترحت عليه تلافيًا للضرر من ناحية واحترامًا لقرار الوزير من ناحية أخرى، أن يرجع الدكتور طه حسين إلى الجامعة أستاذًا لا عميدًا، خصوصًا وأنه نفسه قد ألح علي في أن يتخلى عن العمادة منذ أكثر من شهر فلم أقبل.
 تقبل دولة رئيس الوزراء هذا الاقتراح بقبول حسن وأكد أنه سيشتغل منذ الغد بهذه المسألة، وفعلًا قد اشتغل بها، ومازال الأخذ والرد فيها حتى علمت الآن أن اقتراحي غير مقبول، وأن قرار النقل نافذ بجملته وعلى إطلاقه.
 ومن حيث إني لا أستطيع أن أقر الوزارة على هذا التصرف الذي أخشى أن يكون سنة تذهب بكل الفروق بين التعاليم الجامعية وأغيارها.
 أتشرف بأن أقدم بهذا إلى معاليكم استقالتي من وظيفتي، أرجو قبولها، كما أرجو أن تتقبلوا شكري على ما أبديتم من حسن المجاملة الشخصية مدة اشتراكنا في العمل وأن تتقبلوا فائق احترامي.
مدير الجامعة المصرية

أحمد لطفي السيد"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا

  أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا عماد أبو غازي   إذا كنا نحي هذا العام الذكرى الخمسين لرحيل طه حسين، فهناك مناسبة أخرى مرتبطة به ت...