الخميس، 24 مارس 2016


من أوراق بدر الدين أبو غازي (2)


 وجدت في أوراق بدر الدين أبو غازي أربع صفحات صغيرة منزوعة من "بلوك نوت" كتب عليها خواطر بلا عنوان، أظنه كتبها في منتصف السبعينيات أثناء عمله مستشارًا بالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم...





 "من التجارب تعلمت أن تصاريف الحياة فوق إرادة البشر... ولكن يبقى بعد ذلك حرية الإنسان في أن ينظم مساره ويحدد مصيره ويوائم بين إرادته ورغباته، وبين تصاريف الحياة، وهذا سر من أسرار النجاح إذا ما تحقق هذا الوفاق.

 لقد كنت في صباي مولعًا بالفن والأدب، وددت لو وقفت عليهماكل حياتي، ولكني اتجهت لدراسة القانون... وكان صراعًا ضاريًا في نفسي بين الانصراف عن الدراسة والتفرغ للأدب والفن، وبين محاولة الجمع بينهما... وقد كاد هذا الصراع في وقت من الأوقات يؤثر في مستقبلي؛ حين انصرفت عامًا دراسيًا إلى دراسة مجموعة من الآثار الأدبية ونحيت كتب القانون جانبًا...

 ولكن في حياة الإنسان لحظات من التنوير واستجماع الإرادة تعين على ترسم الطريق، وجاءت هذه اللحظات قبل نهاية العام وعزمت أمري على الجمع بين ما كنت أحسبه نقيضًا للآخر، وركزت على دراسة القانون لأدرك ما فاتني، ولمست فيه أفقًا من الفكر والفن.

 ومنذ هذه اللحظة تحقق الوفاق بين الاتجاهين، وخضت حياتي ممارسًا للقانون ولجانب تشريعي قد يبدو جافًا هو جانب التشريعات المالية والضريبية، وهاويًا للفن والأدب، أمارس النقد الفني في ساعات الفراغ، وأعطي الحياة الثقافية جزءًا من نفسي.





 ومضت رحلة هذا الوفاق قرابة ثلاثين عامًا، بعض الناس يعرف فيها جانبًا واحدًا مني هو جانب الكاتب والناقد الفني، وبعضهم يعرف الجانب الآخر، وهو جانب المسؤول في قطاع هام من قطاعات المال والاقتصاد... أما من يعرف الجانبين معًا فقد كان يدهشه أن تجتمع صفة الكاتب والفنان مع منصب وكيل وزارة المالية في شخص واحد.

 ومع ذلك فقد كان العطاء في المجالين وفيرًا بفضل تجربة هزتني، وخرجت منها عاقد العزم على أن أجمع النقيضين أو ما يبدوان كذلك في حياتي.

 ولقد خلصت من ذلك بأن دراسة القانون وصياغة الفكر القانوني أغنت تجربتي الأدبية والفنية، كما أن الأدب والفن كانا لهما انعكاسهما على اتساع آفاق فكري القانوني.

 وفي خاتمة المطاف توليت مسؤوليات الثقافة في مصر، فأصبح العمل الثقافي هو مسؤوليتي الرسمية.


 ولكني الآن بعد استعراض أبعاد هذه التجربة أرى أنها كانت كسبًا لحياتي... واليوم أتولى مسؤوليات ثقافية على مستوى الوطن العربي، بينما يظل اتصالي بشؤون التشريع والشؤون المالية قائمًا من خلال اللجان والمؤتمرات والكتابات. وأصبح كل رصيد التجر بة مجتمعًا في اتساق يتيح لي أن أعطي منه تطوعًا ومحبة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا

  أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا عماد أبو غازي   إذا كنا نحي هذا العام الذكرى الخمسين لرحيل طه حسين، فهناك مناسبة أخرى مرتبطة به ت...