اليوم الذكرى 88 لرحيل سعد زغلول...
وزارة سعد الأولى والأخيرة
عماد أبو غازي
تولى سعد زغلول باشا رئاسة الوزارة مرة واحدة في
الفترة من 28 يناير سنة 1924 إلى 24 نوفمبر سنة 1924، كانت تلك الوزارة الأولى
والأخيرة له، وجاء تولي سعد لرئاسة الوزارة بعد أول انتخابات برلمانية جرت على
أساس دستور 1923، وفاز فيها حزب الوفد بأغلبية كاسحة، وربما كانت تلك الانتخابات
من أنزه الانتخابات التي شهدتها مصر طوال تاريخها البرلماني، وقد أجرت تلك
الانتخابات وزارة يحيى باشا إبراهيم الذي تولى رئاسة الوزارة في مصر في فترة حرجة
من تاريخ البلاد، ما بين 15 مارس 1923 إلى 27 يناير 1924، وفي عهد وزارة يحيى
إبراهيم صدر دستور 23 وقانون الانتخاب، كما رفعت الأحكام العرفية، ونجحت الحكومة
في عبور عملية إحلال موظفين مصريين محل الموظفين الأجانب بسلاسة، وقد أشار يحيي
باشا إبراهيم إلى كل هذه الإنجازات في خطاب استقالته الذي رفعه إلى الملك عقب
الانتخابات بناء على رغبة غالبية أعضاء مجلس النواب، لكن تبقى نزاهة الانتخابات
وحياد الحكومة فيها أهم ما يذكره التاريخ ليحيى باشا إبراهيم وحكومته.
وعقب استقالة الحكومة أصدر الملك أحمد فؤاد الأول الأمر الملكي رقم 14 لسنة 1924، بتكليف سعد زغلول رئيس حزب الأغلبية بتأليف الوزارة، وجاء في هذا الأمر:
"عزيزي سعد زغلول باشا
لما كانت آمالنا ورغائبنا متجهة دائمًا نحو سعادة شعبنا العزيز ورفاهيته،
وبما أن بلادنا تستقبل الآن عهدًا جديدًا من أسمى أمانينا أن تبلغ فيه ما نرجوه
لها من رفعة الشأن وسمو المكانة، ولما أنتم عليه من الصدق والولاء، وما تحققناه
فيكم من عظيم الخبرة والحكمة وسداد الرأي في تصريف الأمور، وبما لنا فيكم من الثقة
التامة قد اقتضت إرادتنا توجيه مسند رياسة مجلس وزرائنا مع رتبة الرياسة الجليلة
لعهدتكم.
وأصدرنا أمرنا هذا لدولتكم للأخذ في تأليف هيئة الوزارة، وعرض مشروع هذا
التأليف علينا لصدور مرسومنا العالي به.ونسأل الله جلت قدرته أن يجعل التوفيق رائدنا فيما يعود على بلادنا بالخير والسعادة إنه سميع مجيب."
وجاء جواب سعد زغلول على التكليف قطعة من الأدب
السياسي الرفيع أكد فيها على الولاء للشعب الذي اختاره واختار حزبه، ويكرر فيها
تمسكه بالمبادئ الوطنية والديمقراطية التي بلورتها ثورة 1919، قال سعد في رده على
الملك:
"مولاي صاحب الجلالةإن الرعاية السامية التي قابلت بها جلالتكم ثقة الأمة ونوابها بشخصي الضعيف توجب علىّ والبلاد داخلة في نظام نيابي يقضى باحترام إرادتها، وارتكاز حكومتها على ثقة وكلائها ألا أتنحى عن مسئولية الحكم التي طالما تهيبتها في ظروف أخرى، وأن أشكل الوزارة التي شاءت جلالتكم بتشكيلها من غير أن يعتبر قبولي لتحمل أعبائها اعترافا بأية حالة أو حق استنكره الوفد المصري الذى لا أزال متشرفًا برياسته.
إن الانتخابات لأعضاء مجلس النواب أظهرت بكل جلاء إجماع الأمة على تمسكها بمبادئ الوفد التي ترمي إلى ضرورة تمتع البلاد بحقها الطبيعي في الاستقلال الحقيقي لمصر والسودان، مع احترام المصالح الأجنبية التي لا تتعارض مع هذا الاستقلال، كما أظهرت شدة ميلها للعفو عن المحكوم عليهم سياسيًا، ونفورها من كثير من التعهدات والقوانين التي صدرت بعد إيقاف الجمعية التشريعية ونقصت من حقوق البلاد وحدت من حرية أفرادها، وشكواها من سوء التصرفات المالية والإدارية، ومن عدم الاهتمام بتعميم التعليم وحفظ الأمن وتحسين الأحوال الصحية والاقتصادية وغير ذلك من وسائل التقدم والعمران، فكان حقًا على الوزارة التي هي وليدة تلك الانتخابات وعهدًا مسئولاً منها أن توجه عنايتها إلى هذه المسائل الأهم فالمهم منها وتحصر أكبر همها في البحث عن أحكم الطرق وأقربها إلى تحقيق رغبات الأمة فيها وإزالة أسباب الشكوى منها، وتلافى ما هناك من الأضرار مع تحديد المسئوليات عنها وتعيين المسئولين فيها، وكل ذلك لا يتم على الوجه المرغوب إلا بمساعدة البرلمان، ولهذا يكون من أول واجبات هذه الوزارة الاهتمام بإعداد ما يلزم لانعقاده في القريب العاجل، وتحضير ما يحتاج الأمر إليه من المواد والمعلومات لتمكينه من القيام بمهمته خطيرة الشأن.
ولقد لبثت الأمة زمانًا طويلا وهى تنظر إلى الحكومة نظر الطير للصائد لا الجيش للقائد، وترى فيها خصما قديرًا يدبر الكيد لها لا وكيلا أمينًا يسعى لخيرها، وتولد عن هذا الشعور سوء تفاهم اثر تأثيرًا سيئًا في إدارة البلاد وعاق كثيرًا من تقدمها، فكان على الوزارة الجديدة أن تعمل على استبدال سوء هذا الظن بحسن الثقة في الحكومة، وعلى إقناع الكافة بأنها ليست إلا قسما من الأمة تخصص لقيادتها والدفاع عنها وتدبير شئونها بحسب ما يقتضيه صالحها العام، ولذلك يلزمها أن تعمل ما في وسعها لتقليل أسباب النزاع بين الأفراد وبين العائلات، وإحلال الوئام محل الخصام بين جميع السكان على اختلاف أجناسهم وأديانهم، كما يلزمها أن تبث الروح الدستورية في جميع المصالح، وتعود الكل على احترام الدستور والخضوع لأحكامه، وذلك إنما يكون بالقدوة الحسنة وعدم السماح لأي كان بالاستخفاف بها، أو الإخلال بما تقتضيه.
هذا هو بروجرام وزارتي وضعته طبقًا لما أراه وتريده الأمة، شاعرًا كل الشعور بأن القيام بتنفيذه ليس من الهنات الهينات، خصوصًا مع ضعف قوتي واعتلال صحتي، ودخول البلاد تحت نظام حرمت منه زمانًا طويلاً، ولكنى أعتمد في نجاحه على عناية الله وعطف وتأييد البرلمان ومعاونة الموظفين وجميع أهالي البلاد ونزلائها.
فأرجو إذا صادف استحسان جلالتكم أن يصدر المرسوم السامي بتشكيل الوزارة على الوجه الآتي، مع تقليدي وزارة الداخلية.
- محمد سعيد باشا لوزارة
المعارف العمومية
- محمد توفيق نسيم باشا لوزارة
المالية
- أحمد مظلوم باشا لوزارة
الأوقاف
- حسن حسيب باشا لوزارة
الحربية والبحرية
- محمد فتح الله بركات باشا لوزارة الزراعة
- مرقص حنا بك لوزارة
الشغال العمومية
- مصطفى النحاس بك لوزارة
المواصلات
- واصف بطرس غالي أفندي لوزارة
الخارجية
- محمد نجيب الغرابلي أفندي لوزارة الحقانية
وأدعو الله أن يطيل في أيامكم ويمد في ظلالكم حتى تنال البلاد في عهدكم كل
ما تتمناه من التقدم والارتقاء.
وإني على الدوام شاكر نعمتكم وخادم سدتكم.
تحريرًا في 22 جمادى الثانية سنة 1342 (24 يناير سنة 1924)
سـعد زغلول"
لكن حكومة الشعب التي قادها سعد زغلول وحاول
خلالها أن يحقق آمال الأمة، لم يقدر لها أن تكمل في الحكم عشرة أشهر، واضطر سعد
لتقديم استقالته بعد حادث اغتيال السير لي ستاك سردار الجيش، فأهدر عمل متهور تصور
من يقوموا به أنهم يخدمون الوطن آمال الأمة في أن تجني ثمار تضحياتها في ثورة
1919.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق