النحاس في ذكراه
النهار ده 23 أغسطس بتمر خمسين سنة على رحيل الزعيم مصطفى النحاس، وكمان بتمر 88 سنة على رحيل قائد ثورة 1919 سعد زغلول، بالمناسبة دي أنشر صفحات قليلة من مذكرات مصطفى النحاس، أتمنى إني أنتهي من تحقيقها قبل نهاية السنة...
وده رابط الصفحة اللي نشرتها في جريدة الشروق النهار ده...
صفحات
من مذكرات الزعيم مصطفى
النحاس
عماد
أبو غازي
يوم 23 أغسطس تمر ذكرى رحيل الزعيمين الكبيرين
سعد زغلول ومصطفى النحاس، هذا العام يصادف الذكرى الخمسين لرحيل مصطفى
النحاس. ومصطفى النحاس زعيم وطني يستحق أن نحتفي به تخليدًا للقيم التي عاش
وكافح من أجلها، واعتذارًا لهذا الرجل الذي تم تشويه تاريخه وحجب اسمه لسنوات؛
ينتمي مصطفى النحاس إلى الرعيل الأول من مؤسسي الوفد المصري الذين انضموا إلى سعد
زغلول، وأصبح بسرعة من أقرب المقربين إليه، ونفي معه، ثم أصبح سكرتيرًا عامًا للوفد
المصري.
لقد لعب مصطفى النحاس
دورًا مهمًا في السياسة المصرية على مدى نصف قرن، بداية من انتمائه لتيار الحزب
الوطني في مطلع القرن العشرين، ثم انضمامه إلى الوفد المصري إلى جانب سعد زغلول،
فتوليه زعامته بعد وفاته سنة 1927، وانتهى هذا الدور بعد يوليو 1952 بشهور قليلة
مع حل الأحزاب السياسية، وظل النحاس معزولًا سياسيًا حتى وفاته في 23 أغسطس 1965. قدم
النحاس الكثير لوطنه ولم يلق بعد الاحتفاء الذي يقابل ما أعطاه لمصر، كان مصطفى
النحاس واحدًا من أبرز الزعماء التاريخيين لحركات الاستقلال الوطني ذات التوجه
الديمقراطي التي ظهرت في أعقاب الحرب العالمية الأولى، يقف اسمه بجداره إلى جانب
أسماء عظيمة لعبت دورًا في تاريخ الإنسانية مثل: غاندي ونهرو في الهند وديفاليرا
في أيرلندا وسعد زغلول في مصر، كان خليفة لسعد في نضاله مثلما كان نهرو خليفة
لغاندي، وطول تاريخه السياسي قدم نموذجًا للتمسك بالمبادئ، والصمود في وجه العواصف
العاتية.
شارك مصطفى النحاس في أول حكومة وفدية تشكلت
بناء على نتيجة أول انتخابات برلمانية أجريت على أساس دستور 1923، وقد تشكلت هذه
الحكومة في 28 يناير 1924 برئاسة سعد زغلول، وتولى مصطفى النحاس فيها وزارة المواصلات،
لكن تلك الوزارة لم تكمل العام واستقالت في نوفمبر 1924 احتجاجًا على العقوبات
التي فرضتها بريطانيا على مصر بعد اغتيال السردار لي ستاك. وبعد وفاة سعد زغلول في
23 أغسطس 1927 انتخب الوفد مصطفى النحاس رئيسًا له في 23 سبتمبر وأقر الانتخاب
رسميًا في اجتماع الهيئة البرلمانية الوفدية في 26 سبتمبر، وحل محله في سكرتارية
الوفد مكرم عبيد، ومن يومها حمل مصطفى النحاس راية النضال الوطني والديمقراطي
زعيمًا لحزب الأغلبية في ظروف حصار مستمر للحياة النيابية على يد الملك المستبد
والسفارة البريطانية. وخلال الفترة من مارس 1928 إلى يناير 1952 تولى مصطفى النحاس
رئاسة الوزارة سبع مرات، لكن مجموع ما قضاه النحاس في الحكم لا يتجاوز سبع سنوات
وعدة أسابيع قليلة، فعادة ما كان حكمه ينتهي بانقلاب دستوري يدبره الملك بمباركة
الإنجليز، وفي الوزارة الأخيرة التي أقالها فاروق في 27 يناير 1952، كانت مؤامرة
حريق القاهرة المبرر لإقالة الوزارة.
لقد كان مصطفى النحاس
تاريخًا من النضال من أجل مصر، دستورها واستقلالها ودولتها المدنية التي لا تعرف
خلط الدين بالسياسة. وكان الاستفتاء الشعبي الحقيقي على مصطفى النحاس يوم جنازته في أغسطس 1965، فرغم أنه كان
بعيدًا عن السلطة والسلطان، ورغم ما تعرض له من عزل سياسي لسنوات قاربت الثلاثة
عشر عامًا، ورغم أن اسمه لم يذكر منذ نهاية أزمة الديمقراطية في عام 1954، في
وسائل الإعلام الرسمية ـ والتي لم يكن هناك غيرها ـ إلا مصحوبًا باللعنات
وبالأكاذيب والمبالغات حول سيرته السياسية والشخصية، فإن الشعب كان له رأي آخر،
حقا لقد أعقب الجنازة حملة اعتقالات قضى بعض ضحاياها شهورًا في المعتقلات، لكن
الوداع الأخير للرجل كان كلمة الفصل في تقييم الشعب لزعيم أخلص لوطنه ولقضاياه.
واليوم في ظلال الذكرى الخمسين لرحيل
مصطفى النحاس أقدم صفحات من مذكرات الزعيم مصطفى النحاس التي تغطي فترة نفيه مع
الزعيم سعد زغلول وبعض قادة الوفد إلى سيشل في ديسمبر 1921 لفترة قاربت العامين.
وقد حصلت على هذه المذكرات التي سماها صاحبها "مذكرات
النفي" من القطب الوفدي الكبير الأستاذ فؤاد بدراوي، وكانت هذه المذكرات ضمن
الأوراق التي انتقلت إلى فؤاد باشا سراج الدين بعد وفاة السيدة زينب الوكيل وتسليم
منزل النحاس باشا في جاردن سيتي إلى المالك، وقد عثر عليها الأستاذ فؤاد بدراوي
منذ عدة شهور ودفع بها إليّ لتحقيقها، والمذكرات عبارة عن ثلاث كراسات متفاوتة في
حجمها، الكراسة الأولى من 22 صفحة، والثانية وهي مسودة من 300 صفحة، أما الكراسة
الأخيرة فتبلغ صفحاتها 85 صفحة. وتغطي المذكرات الفترة من 19 ديسمبر 1921 حتى 12
مارس 1923، وهناك بعض الفجوات في المذكرات، لكنها تقدم صورة واضحة ومفصلة عن فترة
نفي سعد ورفاقه، رؤيتهم السياسية وتفاصيل حياتهم اليومية في المنفى، وعلاقتهم
بالوطن، وقدرات عناصر الوفد في مصر على التواصل معهم وإمدادهم بالأخبار رغم قيود
الرقابة. سأقدم هنا خمسة أيام متفرقة من "مذكرات النفي" التي كتبها
الزعيم مصطفى النحاس بخط يده، هي مجرد نموذج لما تحويه هذه المذكرات من وقائع مهمة.
اليوم الأول 19 ديسمبر 1921... بداية الأحداث
عهد العنف والشدة
والإرهاب
كانت النتيجة الحتمية لتأليف بعثة
رسمية للمفاوضة ضد إرادة الأمة وسفرها إلى لندرا على الرغم من الأمة، واستعمال
وسائل القهر والخداع ضد الأمة لاختلاس ثقتها بالبعثة الرسمية، كانت نتيجة كل ذلك
أطماع الإنجليز في حكم مصر بالقوة؛ لذلك زادوا مطامعهم إلى أبعد من مدى ظاهر مشروع
وأعلنوا بكل قوة بكل جرأة أن مصر لازمة له، وإنهم باقون فيها إلى الأبد، وتهددوها
بإخضاعها بالقوة إن لم ترضخ لهم بالسلم، ودفعوا مشروع كرزون إلى عدلي رئيس البعثة
الرسمية، فلم يسعه الإجابة عليه إلا بأنه لا يمكن أن يؤدي إلى اتفاق تقبله الأمة،
فتخطوا البعثة ورجعوا إلى السلطان، فرفعوا إليه بواسطة مندوبهم السامي مشروع كرزون
ورد عدلي عليه ومذكرة من اللورد أللنبي معلنة نية الإنجليز نحو مصر وما عولوا عليه
في الحاضر والمستقبل، مهددين باستعمال الشدة لقمع ما أسموه بالتهييج المبني على
التعصب.
عادت البعثة الرسمية إلى مصر وقوبلت أسوأ
مقابلة، وقدمت تقريرًا للسلطان لينًا رخوًا، دل على أن البعثة لم تعمل شيئًا ولم
تناضل عن حقوق مصر. وقدم عدلي استقالة الوزارة لأنه كما يقول لم يوفق إلى تحقيق
برنامجه الذي أعلنه للأمة. لم تعلن الاستقالة وحصلت مساع لتأليف وزارة أخرى
قبل إعلان الوزارة المستقيلة، وكانت المساعي متوجهة إلى إسناد الوزارة إلى بعض
أعضاء الوزارة المستقيلة. وقد استمروا جميعًا في تأدية أعمالهم حتى تقبل
الاستقالة. قامت احتجاجات من مختلف الطبقات ضد تشكيل أية
وزارة ما دامت مذكرة أللنبي موجودة لأن قبول الوزارة في هذه الحالة معناه قبول
السياسة الواردة في هذه المذكرة والعمل على معاونة الأجنبي على تمكين حكمه في
البلاد.
فأصدر اللورد أللنبي في 19 ديسمبر أمرًا عسكريًا بإلغاء هذا الاجتماع بحجة المحافظة على الأمن العام، فاحتج سعد باشا على هذا المنع، وتوالت الاحتجاجات كذلك من جميع أنحاء القطر.
وفي 19 ديسمبر وصل الأستاذ مكرم إلى الإسكندرية
قادمًا من لندرا بعد جهاده العظيم الذي أظهر به للرأي العام الإنجليزي حقيقة موقف
البعثة الرسمية من الأمة المصرية، وأدى ذلك إلى فشل البعثة الرسمية في مهمتها
وعودتها خائبة. وقد استقبلته أنا وفخري بك عبد النور منتدبين من قبل الوفد، وتخلف
عنا فتح الله باشا بركات ـ الذي كان منتدبًا معنا ـ لانحراف صحته. وأقام له الطلبة
حفلة شاي في فندق ماجستيك تبودلت فيها الخطب الحماسية. وكذلك أقام له أعيان
الإسكندرية وليمة عشاء في فندق كلاردج تبودلت فيه أيضا الخطب السياسية الحماسية.
وكانت روح الخطب مقاطعة الإنجليز إلى النهاية، وعدنا معه إلى القاهرة ظهر اليوم
التالي، وكان استقباله في جميع المحطات بالغًا منهاه، وكان الهتاف لمصر ولسعد
وزملائه ومكرم وللاستقلال والإضراب والمقاطعة للنهاية. وكان الاستقبال في القاهرة
يفوق الوصف، وكان في انتظارنا بالمحطة أعضاء الوفد وفي مقدمتهم الرئيس الجليل،
وكان الركب شائعًا والاستقبال فخمًا على طول الطريق إلى بيت الأمة فكان هذا
إعلانًا حيًا لقوة الروح المعنوية في الأمة وتمسكها ... والتفافها حول رمز أمانيها
ومن يلذون به من زملائه المخلصين.
كان مكرم قد وعد في خطبه السابقة بإذاعة أخبار
المفاوضات بعد تقديم تقريره بها إلى الرئيس. وما كان للإنجليز ـ وقد قرروا استعمال
الشدة ـ أن يمكنوه من ذلك. ففي نحو الساعة 11 صباح يوم الخميس 22 ديسمبر اتصل بعلم
الرئيس أنه سيبلغ إليه اليوم أمر موجود الآن في قلم المطبوعات بأن يبرح هو وأعضاء
الوفد القاهرة إلى محال إقامتهم بالريف. فتذاكرنا في الخطة التي يجب علينا اتخاذها
عند وصول هذا الأمر إلينا وهي عدم إجابة هذا الأمر طوعًا.
وقرب الظهر حضر إلى بيت الأمة المستر
"تيل" وكيل الحكمدار، ومعه خطابات لكل من الرئيس وسينوت ومكرم وأنا من
أعضاء الوفد، ولكل من فتح الله باشا بركات وعاطف بك بركات وصادق بك حنين وأمين
أفندي عز العرب وجعفر بك فخري من غير أعضاء الوفد؛ فاستلم كل من الحاضرين وقتئذ
خطابه، وعاد وكيل الحكمدار بخطابات الباقين الذين لم يكونوا حاضرين، وهم: الأستاذ
مكرم وصادق حنين وجعفر فخري. وهذه الخطابات جميعها صادرة من الجنرال كلينتون
مستشار وزارة الداخلية.
وهذه ترجمة خطاب الرئيس:
صاحب المعالي
أتشرف بأن أخبركم أنه بناءً على تعليمات
المارشال القائد العام أبلغ معاليكم الأمر الآتي:
سعد باشا زغلول ممنوع بهذا تحت الأحكام العرفية
من إلقاء (ص 5) الخطب، ومن حضور اجتماعات عامة، ومن استقبال وفود، ومن الكتابة إلى
الجرائد، ومن الاشتراك في الشئون السياسية، وعليه أن يغادر القاهرة بلا توان، وأن يقيم
في مسكنه بالريف تحت مراقبة مدير المديرية.
الإمضاء أللنبي الوكالة
البريطانية
القاهرة في 21 ديسمبر سنة 1921
ولي الشرف أن أكون لمعاليكم
الخادم المطيع
الإمضاء
كليتون بريجادر جنرال
مستشار
وزارة الداخلية
وهذه ترجمة الخطاب لكل من الباقين:
سيدي
بناءً على تعليمات الفيلد مارشال القائد العام،
أخبركم أنكم مأمورون بهذا تحت الأحكام العرفية أن تذهبوا بلا توان إلى محل إقامتكم
بالريف، وأن تتجنبوا كل عمل سياسي، كما أخبركم أنكم ستوضعون تحت مراقبة مدير
المديرية التي ستقيمون فيها.
ولي الشرف يا سيدي أن أكون خادمكم المطيع.
الإمضاء
كليتون
بريجادر جنرال
مستشار
وزارة الداخلية
اليوم الثاني الأحد 25 سبتمبر سنة 1921... في
الطريق إلى المنفى...
قابلنا الرئيس في الصباح، وكان سرورونا عظيمًا
ومتبادلًا، وقصصنا عليه حكايتنا، وقص علينا حكايته، ومن ضروب القسوة التي استعملها
معه الإنجليز، إنهم أخذوه من منزلة صباح يوم الجمعة 23 ديسمبر دون أن يعلموه
بالجهة التي يأخذونه إليها، ودون أن يأخذ معه حوائجه ولا غذاء. ومع ذلك فإنهم
قادوه مباشرة في الأتوموبيل إلى الصحراء في طريق السويس، ولم يرتبوا هم غذاء لع
أثناء الطريق، ولا غطاء يدفئه ضد البرد، حتى استعان بكوفية الضابط المرافق له عن
أذى البرد نوعًا ما. واستمروا في الطريق سبع ساعات إلى أن وصلوا إلى معسكر السويس،
وقد احتمل هذه المتاعب بصبر وجلد جديرين بالرجل العظيم، وألقى الله على قلبه
الهدوء والسكينة، ووقاه شر الأذى. وبات ليلته في خيمته ولم يكن عنده ملابس نوم،
فبقى طول الليل مرتديًا ملابسه التي كان مرتديًا بها نهارًا. ولم تصل له أمتعته
وعبد الله سائق أتوموبيله الذي تطوع لخدمته إلا في اليوم التالي بالقطار الذي وصل
السويس في المساء. وكان الذي عينوه لخدمته عسكريًا لا يعرف شيئًا من الفرنسية ولا
العربية، وكان التفاهم معه مستحيلًا إلا بالإشارة، فلما جاءه عبد الله وهو يعرف
الإنجليزية فرّج عنه. تفسحنا معًا في الفناء المحيط بالخيام، وجلس
الرئيس على مرتفع من الطين وجلسنا حوله، ومر بنا بعض الهنود الذين هم في هذا
المعسكر، لإنه خاص بالهنود، واسمه المعسكر الهندي، أظهر واحد منهم عطفًا علينا،
وميلًا إلينا، وقدم السجائر لنا، وجاء غيره، وكنا نحن نتحاشى الاسترسال معهم، وإذا
بالصاغ أمبروز (القائم بأعمال القيادة العامة للمعسكر) قد حضر وطلب إلينا أن لا
نبتعد عن الخيام.
اليوم الثالث... الأربعاء 5 يولية
1922... بعد ستة أشهر في المنفى...
وصلت الجرائد لغاية 12 يونية، وبعض الخطابات
لغاية الأسبوع الأول من يونية، وأخر خطابات وصلتني لغاية 3 يونية، مما سرني فيها
تحسن صحة والدتي، التي أمكنها أن تمشي في البيت كيف شاءت.
تصفحنا الجرائد على عجل، وأهم ما فيها تقرير لجنة الدستور الفرعية، تعليقًا
على مشروع الدستور الذي قدمته اللجنة الكاملة، ومن أعظم المصائب أن هذه اللجنة
صرفت كل همها في انتقاص حقوق الأمة وإعطائها للسلطة التنفيذية، حتى أنها قلبت
مسئولية الوزارة إلى مسئولية البرلمان، فالمجلس الذي يبدي عدم ثقته بالوزارة يكون
عرضه لأن يحله الملك، ولا يحدد القانون ميعادًا لانتخاب غيره فيه... إلخ إلخ. ولكن
الأمة منتبهة؛ فقد حصل اجتماع حافل بالمنصورة تقرر فيه إبداء التعديلات الواجب
إدخالها على القانون، واجتمع جميع أعضاء مجلس مديرية البحيرة ووقعوا على قرار بهذا
المعنى، واحتجوا فيه على عدم تمكين المدير لهم من الاجتماع رسميًا رغم طلبهم
القانوني.على أن الوزارة لا تزال تضرب بيد من حديد على المعارضة؛ حتى إنها صادرت نقدًا على مشروع لجنة الدستور بقلم عبد القادر حمزة بعد إعداده للطبع. وحتى أنها حظرت على الجرائد ذكر اسم زملاء سعد في المنفى وأعضاء الوفد بمصر، والتنويه إلى شيء من أعمالهم. بقطع النظر عن القضاء على حرية الاجتماع، ولكنها كلما زادت شدة كلما انفض أنصارها من حولها، واتحدت كلمة الأمة التي تطلب استقلالًا صحيحًا، لا عبودية مشروعة.
وكتب مكرم تلغرافًا لوالده يبدي فيه قلقه من عدم
استلامه خطابات منه، ويسأل عن صحة العائلة، وسلمه لفتح الله لتوصيله صباح الغد.
اليوم الرابع... الجمعة أول ديسمبر سنة 1922... أخبار من لندن...
ورد في تلغرفات روتر من لندن بتاريخ 29 نوفمبر
الساعة 2:55 بعد الظهر من القاهرة أن وزارة ثروت باشا استقالت بناءً على عداء
المعارضة، التي ترغب في تكوين وزارة جديدة لنهو مسائل مثل إلغاء الأحكام العرفية
ومثل السيادة المصرية على السودان.فلم يبق في الأمر شك من أن الوزارة استقالت تحت ضغط الرأي العام، وإن السياسة العامة نحو مصر ستأخذ مجرى آخر.
وقد قرأنا في جريدة الديلي هرالد الصادرة بتاريخ
26 أكتوبر البرنامج الرسمي لحزب العمال الذي أعلنوه للأمة إبان الانتخابات العامة
[بيانًا] لسياستهم التي يجرون عليها بعد الانتخابات، وفي عن السياسة الخارجية:
الاعتراف باستقلال مصر الحقيقي، والحكومة الذاتية للهند، والتصديق على
معاهدة أيرلندا. وقد كانت نتيجة الانتخابات أن صار حزب العمال المعارضة الرسمي،
وإن نوابهم يمثلون 4,356,000 منتخب، فيكون هذا العدد العظيم في إنجلترا من صفنا في
الاعتراف باستقلالنا الحقيقي، لا الاستقلال الوهمي الذي كان نتيجة لخداع
الثروتيين العدليين. وقد قضي على سياستهم الآن بسقوط وزارة ثروت التي كانت في
الواقع استمرارًا لوزارة عدلي. نرجو الله أن يمدنا بعونه ويلحظنا برعايته حتى ننال
حقوقنا كاملة، وتتعهدها الأمة بما يصونها من كل عبث ويأتي بثمرتها الطيبة إن شاء
الله.
اليوم الخامس... الخميس 15 فبراير 1923...
تلغراف يبعث على التفاؤل...
ورد التلغراف الآتي: القاهرة في 14 فبراير
الساعة 2:40 مساءً
بركات باشا بماهي سيشيل
إن اجتماع الأمس المؤلف من مندوبي جميع
المديريات والطبقات بمناسبة استقالة وزارة نسيم على أثر التهديدات البريطانية
بخصوص حذف مواد السودان من الدستور قرر ما يأتي:أولًا: إن السودان ومصر كل لا يتجزأ، ويجب النص على ذلك في الدستور.
ثانيًا: إن الأمة تعارض في تأليف أية وزارة تحت الحكم العرفي أو قبل عودة المنفيين وإطلاق سراح المسجونين من الزعماء المصريين.
ثالثًا: الاحتجاج بشدة على التهديدات البريطانية الموجهة إلى العرش والوزارة بخصوص السودان، وعلى حكم الإرهاب الذي تستمر بريطانيا في فرضه على مصر.
رابعًا: إبداء الإجلال والولاء لزغلول العظيم وزملائه النبلاء.
عن الوفد
المصري السعدي
كشف لنا هذا التلغراف عن المعمى بخصوص الحالة في
مصر، ودل على أن استقالة نسيم كانت استقالة شريفة لمصلحة البلاد؛ فلم يجار اللنبي
في مطامعه على السودان، وأراد بالنص في الدستور على حقوق مصر عليه المحافظة فعلًا
على حقوق مصر، فلم يرق ذلك في نظر السياسة الجشعة البريطانية، وكان ما كان من
تهديد الوزارة والعرش؛ فاستقال نسيم، ولابد تكون الحالة الآن حرجة في مصر، ونحن في
انتظار التطورات عن بعد بقدر ما يسمح به الرقيب بتوصيله إلينا.
رعى الله مصر كنانته في أرضه بعين عنايته ونجاها
من هذه الأزمات فائزة منصورة.
أرسل مكرم تلغرافًا بتاريخ الغد لخطيبته بما
يأتي: "خطاباك الرقيقان حركا قلبي فرحًا ومحبة،
وكان لهما في نفس مصطفى حسن الأثر. محبة منا جميعًا للوالد وللعائلة وإني أقبلك.
مكرم"
وأرسل سينوت تلغرافًا لوالدته بما يأتي: "إني سعيد بصحتكم جميعًا، محبة للجميع وأقبلك." وأرسل لأخيه راغب أيضًا التلغراف الآتي: "لم يصلني منك خطابات منذ مدة، أفدني
تلغرافيًا بالصحة، محبة للجميع". ورد لمكرم خطاب من فرلوز بأنه وصله إخطار البنك
الهندي ببنمباي باستلام خمسين جنيهًا لاسمه، وأن المبلغ أودع في الخزينة، ويصرف
إليه بواقع خمسماية روبية كل شهر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق