الجمعة، 23 يونيو 2023

"حكايات فلسطينية" آن لها أن تحكى

 

"حكايات فلسطينية" آن لها أن تحكى

 عماد أبو غازي

https://www.palestinianstories.com/?fbclid=IwAR07ZUv4Qs_oBdfh_ocTMo7JLpnOfAjScD9yIPr-xlHMzIJDZICfxiXU6Yo

 موقع "حكايات فلسطينية" مبادرة مهمة ومميزة في حفظ تاريخ فلسطين من خلال مصادر أولية مختلفة عن المصادر الرسمية التقليدية، إنها محاولة لكتابة التاريخ بأصوات صناعه الحقيقيين من الناس الذين كانوا يحيون حياتهم اليومية العادية، وداهمتهم النكبة فتغيرت مسيرة حياتهم، إنها محاولة جادة لحفظ الذاكرة كي لا تضيع وتندثر، يأتي انطلاقها مواكبًا للذكرى الخامسة والسبعين للنكبة مؤكدة أن الذاكرة الفلسطينية ستظل يقظة.

 هذا وتتنوع مصادر كتابة التاريخ تنوعًا كبيرًا وفقًا لموضوعات البحث وللعصور التاريخية التي نتعامل معها وللمناهج التي نتبعها في تحليل الظاهرة التاريخية التي ندرسها؛ وفي مقدمة هذه المصادر الأرشيف، الذي يلعب دورًا مهمًا في كتابة تاريخ الأمم والشعوب، ويسهم في حفظ الذاكرة الجمعية للبشر، إنه كما يقال بحق ذاكرة للتاريخ.

 ومن بين المصادر الأرشيفية المذكرات واليوميات والأوراق الخاصة والشخصية التي تحتفظ بها العائلات والتي يمكن أن نطلق عليها اسم الأرشيفات الشخصية أو أرشيفات العائلات، والمقصود بأرشيفات العائلات، الوثائق والأوراق الشخصية والمراسلات والبطاقات البريدية والصور الفوتوغرافية والتسجيلات الصوتية والمشاهد المصورة والتذكارات وغيرها من المواد الأرشيفية التي تتراكم لدى عائلة من العائلات من خلال النشاط الطبيعي لأفرادها، وتضم أرشيفات العائلات عادة أوراق شخصية، ومراسلات خاصة، لكنها قد تضم كذلك وثائق أخرى غير الأوراق الخاصة، فقد تكون بعض محتويات هذه الأرشيفات من الوثائق الرسمية مثل: شهادات الميلاد وعقود الزواج وشهادات الوفاة والأحكام القضائية والشهادات الدراسية وغيرها من الأوراق الرسمية التي يحوزها الأفراد خلال مراحل حياتهم المختلفة، كما قد تحوي نسخًا من الأوراق الناتجة عن نشاطهم في العمل الحكومي أو الأهلي أو الخاص.

 في البداية كان اهتمام المؤرخين ينصب على أرشيفات العائلات الكبيرة التي يلعب أفرادها أدوارًا سياسية،
 لكن الاتجاهات الجديدة في دراسة تاريخ حياة "الناس العاديين" دفعت المؤرخين إلى الاهتمام بدراسة الأوراق المتراكمة لدى عائلات من مختلف الطبقات والفئات الاجتماعية.

 لقد أصبح الاعتماد على الأرشيفات الشخصية في توثيق الأحداث التاريخية مقدّرًا من الناحية الأكاديمية، واتجه البحث التاريخي بقوة إلى الاعتماد على مثل هذه الأرشيفات مع تطور مناهج دراسة التاريخ ومدارسه، وتكمن أهمية الأرشيفات العائلية والشخصية التي يتسلمها جيل وراء جيل، في أنها تسجل جزءًا مهمًا من الذاكرة، لا يظهر عادة في الكتابات الرسمية، كما أنها تسهم بشكل كبير في كتابة التاريخ والحفاظ على الذاكرة في ظل غياب الأرشيفات الرسمية وتغييبها.

 وتعد الأوراق الشخصية والأرشيفات العائلية في حالة فلسطين أحد المصادر المهمة لدراسة التاريخ الحديث والمعاصر، حيث تغيب الوثائق الرسمية في كثير من الأحيان، إما بفعل غياب الوعي الأرشيفي أو بسبب قيود الإتاحة أو بسبب السطو عليها وتدميرها عمدًا من جانب العدو في محاولة لمحو الذاكرة الوطنية الفلسطينية وتغييب السردية الفلسطينية.

 تكمن أهمية مبادرة "حكايات فلسطينية" في أنها ذاكرة تقاوم النسيان، إننا أمام مبادرة مهمة في توثيق التاريخ الشعبي الفلسطيني، بعيدًا عن التاريخ السياسي الرسمي، وتشكل نقطة انطلاق مهمة للغاية يمكن البناء عليها لمشروع أكبر يحمي الذاكرة الشعبية الفلسطينية ويحافظ عليها من الغياب.

 والجديد في هذه المبادرة والملهم فيها في الوقت نفسه أنها بدأت بجهد فردي من مؤسستها سمر دويدار عندما اكتشفت أوراق جدها لأمها علي شعث، فبدأت تفكر في طريقة لتنظيم هذه الأوراق وإتاحتها للكافة، ونظمت أكثر من حدث بهذا الأرشيف، وأضافت له ما يحوله إلى حدث تفاعلي، بمعاونة متطوعين من الأصدقاء، لتتطور الفكرة وتصبح هذا الموقع الذي يتيح لنا معايشة تاريخ حي للشعب الفلسطيني.

 والنماذج الحاضرة في ذاكرتي والتي تعتمد على الأرشيفات العائلية قامت بها مؤسسات كبيرة، ولم تقم بجهود فردية، وتحضرني تجربة مشروع ذاكرة مصر المعاصرة الذي دشنته مكتبة الإسكندرية، وبدأ بالاهتمام بجمع أوراق العائلات والشخصيات العامة في مختلف المجالات الأمر الذي لفت الانتباه إلى أهمية أرشيفات العائلات وأنقذ الكثير منها من الضياع.

 وإذا كنا في لحظة انطلاق مبادرة حكايات فلسطينية أمام أرشيف لشخصية واحدة، فمن المهم أن ندرك أن هناك صعوبات فنية قد تواجه القائمين على المشروع في ترتيب مثل هذه المجموعات من الأوراق الشخصية وأرشيفات العائلات عندما تضاف إليها مجموعات لأشخاص آخرين من نفس العائلة أو أرشيفات لعائلات أخرى؛ فما لم تكن العائلة صاحبة الأرشيف قد نظمت أوراقه ومواده المختلفة – وهذا نادرًا ما يحدث – فإن على الأرشيفي أن يفكر في حلول مبتكرة للتعامل مع هذه المواد، فمن ناحية ربما لم تتراكم المجموعة بشكل طبيعي، فقد تكون تجمعت من عدة أماكن، وفي مراحل مختلفة، وربما اختلطت بعض المواد الخاصة بأفراد العائلة ببعضها البعض، ومن ناحية أخرى من الوارد أن تضاف إليها وثائق جديدة.

 فهل يتم ترتيب الوثائق وفقًا للمصدر (المكان) الذي جاءت منه؟ أم على أساس الأشخاص الذين تنتمي إليهم؟ أم تُرتب وفقًا لأجيال العائلة؟  أم حسب أنواع المواد الأرشيفية؟ إنها مشاكل يوفر لها الحلول اختيار البرامج المناسبة للحفظ والاتاحة، الأمر الذي حققه فريق المشروع بالفعل، وفي الوقت نفسه امتلاك الرؤية والفهم لطبيعة المجموعات التي ستضاف للمبادرة.

 كلمة أخيرة... إن مبادرة "حكايات فلسطينية" ترحب بكل مشاركات العائلات الفلسطينية، وهذا الموقع مفتوح لكل أبناء فلسطين وبناتها، لكل عائلاتها للمشاركة في بناء أرشيفاتهم العائلية من خلاله، فكلما اتسع الموقع، وكلما انضمت إلى مكوناته أوراق وأرشيفات شخصية وعائلية، كلما اتسعت مساحة الذاكرة الفلسطينية التي نحفظها ونحافظ عليها من الضياع، فهذا الموقع في حقيقته أرشيف شعبي تقوم ببنائه العائلات الفلسطينية بنفسها لنفسها، لحاضرها ولأجيالها القادمة.

  وتؤكد مبادرة "حكايات فلسطينية" على أن من أهم قيم المبادرة، الحفاظ على خصوصية الوثائق والبيانات المقدمة، فكل أسرة سيكون لها وبشكل حصري إمكانية الاطلاع على أرشيفها الخاص، وما ستوافق عليه فقط هو ما سيتم نشره على الموقع، ولا توجد أي سلطة لأحد في السماح أو منع النشر إلا أصحاب الأرشيف أنفسهم.

 كما يؤكد القائمين على المبادرة إيمانهم بأهمية التشبيك والتعاون فيما بين كل المعنيين بالتاريخ الشفهي وبالأرشيفات العائلية الفلسطينية.

 فليبني أبناء فلسطين وبناتها معًا ذاكرة للمستقبل لأبناء هذا الجيل ولأبناء الأجيال القادمة، وليحكوا "حكايات فلسطينية" آن لها أن تُحكى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا

  أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا عماد أبو غازي   إذا كنا نحي هذا العام الذكرى الخمسين لرحيل طه حسين، فهناك مناسبة أخرى مرتبطة به ت...