الاثنين، 13 مايو 2019

من أوراق بدر الدين أبو غازي (9) ملاحظات على ميثاق العمل الثقافي


من أوراق بدر الدين أبو غازي (9)

ملاحظات على ميثاق العمل الثقافي


بدر الدين أبو غازي (14 مايو 1920-11 سبتمبر 1983)
 في نهاية السبعينيات ومطلع الثمانينيات من القرن الماضي طرح منصور حسن مشروعًا جديدًا لإدارة العمل الثقافي في مصر، وكان الرجل قد تولى عدة مناصب وزارية منها حقيبة الثقافة والإعلام وكان أحد الخمسة الكبار المؤسسين للحزب الوطني الديمقراطي مع الرئيس أنور السادات، كان جوهر مشروعه إلغاء وزارة الثقافة مثل باقي الوزارت الخدمية التي ألغيت في ذلك الوقت وتحولت إلى وزارات دولة، وتغيير مسمى المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية ليصبح مجلسًا أعلى للثقافة، يحل محل الوزارة ويقوم بدورها، تحت شعار إدارة المثقفين للشأن الثقافي.


منصور حسن مع بدر الدين أبو غازي وحسين بيكار في جمعية محبي الفنون الجميلة

 وصدر القرار الجمهوري بإنشاء المجلس الجديد في مايو 1980، وتشكلت هيئة المكتب من ستة أعضاء كان من بينهم الدكتور سليمان حزين الجغرافي الكبير وأحد وزراء الثقافة في الستينيات؛ كما كان من بين أعضاء هيئة المكتب الأولى بدر الدين أبو غازي.

أول هيئة مكتب للمجلس الأعلى للثقافة

 وفي ذات السياق، تقرر أن يضع المجلس ميثاقًا للعمل الثقافي، يلتزم به المثقفون في نشاطهم، وفكرة مواثيق الشرف فكرة في رأيي فيه كثير من الغرابة في ظل وجود منظومة قانونية، فهي تضع آليات غير واضحة للمحاسبة خارج إطار القانون، كما أنها تتقاطع مع النظم الإدارية للدولة وتتصادم معها أحيانًا؛ عمومًا المجال هنا ليس مجال مناقشة الفكرة.

الدكتور سليمان حزين

 لقد تم تكليف سليمان حزين بأن يكون مقررًا لمشروع ميثاق العمل الثقافي؛ وبالفعل أعد المشروع؛ وحالت ظروف دون حضور بدر الدين أبو غازي لاجتماع إقرار المشروع فأرسل هذه الملاحظات في رسالة إلى الدكتور سليمان حزين يوضح فيها اعتراضاته على مشروع الميثاق؛ وقد عثرت على مسودة هذه الرسالة في أوراقه...



يقول بدر الدين أبو غازي في رسالته:

 الأستاذ الدكتور سليمان حزين
مقرر مشروع ميثاق العمل الثقافي
 تحية طيبة وبعد
فقد اطلعت على مشروع ميثاق العمل الثقافي الذي توفرتم بجهدكم الكبير على إعداده.
ولئن فاتني المشاركة في لجنة مشروع الميثاق فلا يفوتني أن أبعث إليكم ببعض ملاحظات أرجو أن تلقى عنايتكم.
 وتتلخص هذه الملاحظات فيما يلي:
(1) إن المشروع ردد كثيرًا فكرة الحساب حتى كادت تلقي ظلالًا على فكرة الحرية التي أكدها؛ ومن أجل ذلك أرى التخفف من هذا الترديد الذي يتعارض مع فكرة حرية المثقفين، وتوفير مناخ الحرية للمفكرين وأهل الأدب والفن التي جعلها التنظيم الجديد شعارًا له.
وأهم ما أراه جديرًا بالحذف الفقرة الأخيرة من البند 9 ص 6 التي تجمع بين حساب القانون ورقابته خاصة وأن هذا المعنى تردد مرة أخرى في الفقرة التالية، فضلًا عن تكراره في بنود تالية في المشروع.
(2)  يؤكد البند 20 معنى استوقفني، هو إعفاء الدولة وأجهزتها الحكومية من القيام على صناعة الثقافة، وإبعاد مسئولية العمل والإنتاج الثقافي عن طبيعة الدولة وقصر دورها على الرعاية.
ولم يعد ذلك واردًا حتى في أكثر الدول أخذًا بالحرية الاقتصادية ودعمًا للنشاط  الخاص؛ فالدولة مطالبة بعدم التدخل بالتقييد والمنع لإبداع الفكري والأدبي والفني، ولكنها مسئولة بدرجة أو بأخرى عن العمل الثقافي متمثلًا فيما تقدمه من عروض مسرحية وأفلام، وما تقيمه من متاحف ومعارض، وما تنشره من كتب، وما تنهض به من صيانة للآثار ومحافظة على التراث، وما يتعلق بها من مسئوليات الحفاظ على البيئة الطبيعية والحضارية.
 كذلك فأن دعمها لجهود المثقفين ومسئوليتها عن توصيل الخدمات الثقافية، كل هذا هو من صميم العمل الثقافي الذي لا يجوز أن تتخلى عنه بالصورة التي توحي بها عبارات البند 20 من المشروع، والتي تؤكد أن هذا هو اتجاهنا ولا سبيل إلى النكوص عن ذلك بعد الآن.
 ولم يعد في المستطاع في مجتمعاتنا العصرية وفي ظل الإعلانات العالمية التي تؤكد حق الثقافة؛ أن تكون الدولة دولة رعاية، وأن تترك مسئولية العمل الثقافي كاملة لأفراد المثقفين وجماعاتهم وهيئاتهم غير الحكومية.
 بل إن قرار إنشاء وتنظيم المجلس الأعلى للثقافة يؤكد عكس ذلك.
(3)  افتقدت في المشروع بندًا يؤكد مسئولية الدولة عن الحفاظ على التراث الحضاري الذي ابدعته مصر عبر تاريخها، ورغم إشارات رائعة عن قيم هذا التراث؛ فإن مطلب صيانته والحفاظ عليه من عوادي الزمن ومن التغيرات الطبيعية ومن حركة التعمير الحديث يقتضي أن نضمن الميثاق هذا العهد من الحكومة والمواطنين لبذل كل الجهود من أجل الإبقاء على هذا التراث للأجيال.
ويتصل بذلك أيضًا ضرورة التأكيد على المحافظة على البيئة الطبيعية والحضارية، وعلى قوام المدينة والقرية المصرية وهيئتها المعمارية والتخطيطية التي أخذت تنمو نموًا عشوائيًا بعيدًا عن القيم الفنية والجمالية ومفرغًا من أي مضمون ثقافي.
 هذا وذاك من الأصول والدعامات التي ينبغي ألا يغفل مشروع الميثاق عنها.
 وما زال في الإمكان تداركهما بإضافة.
 وختامًا أبعث إليكم بصادق الشكر والتحية.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا

  أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا عماد أبو غازي   إذا كنا نحي هذا العام الذكرى الخمسين لرحيل طه حسين، فهناك مناسبة أخرى مرتبطة به ت...