السبت، 22 أبريل 2017

المراكز الريفية: صفحة من تاريخ مصر في الأربيعنيات


صفحة من تاريخ مصر في الأربيعنيات

المراكز الريفية

تجربة إصلاحية منسية

عماد أبو غازي

وأنا بارتب مكتبتي لقيت كتيب صغير بلون العلم المصري الأخضر، عنوانه "المراكز الاجتماعية في خدمة الفلاح"، الكتيب صادر سنة 1949 من "مصلحة الفلاح" اللي كانت تبع وزارة الشؤون الاجتماعية، كان واضح إنه من المطبوعات الحكومية الدعائية، بعد الغلاف زي العادة في المطبوعات الحكومية في الوقت ده، فيه صورة للملك فاروق، مكتوب تحتها "حضرة صاحب الجلالة مولانا الملك المعظم راعي الفلاح".


 ابتديت اتفرج على الكتيب لقيته بيتكلم عن تجربة في الريف المصري بدت سنة 1941 بإنشاء مراكز اجتماعية في الريف المصري، المقدمة اللي بتشرح بداية التجربة كتبها أحمد حسين اللي تولى منصب وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة الوفد الأخيرة سنة 1950، وده غير أحمد حسين مؤسس حركة مصر الفتاة اللي كان لها اتجاه فاشي، أحمد حسين باشا اللي كتب المقدمة كان من الإصلاحين أصحاب الرؤية في تطوير منظومة للعدالة الاجتماعية في الوقت ده، واستقال من حكومة الوفد في أغسطس 1951، وفيه رواية شائعة عن استقالته بتقول أنه طالب في الحكومة بفرض ضرايب على كبار الملاك علشان تنمية الريف، فواحد من أعضاء الحكومة قال له: يا باشا واضح أنك باشا أحمر، فرد عليه أحمد حسين باشا وقال له: ما فيش "أحمر" منك يا باشا، وقدم استقالته من الحكومة.

أحمد حسين باشا مع زوجته السيدة عزيزة حسين
 المهم نرجع للكتيب، المقدمة بتقول إن المراكز ابتديت سنة 41 بخمس مركز، وفي سنة 43 أضيف لها ست مراكز تانية، وبعد دراسة للتجربة استمرت لغاية سنة 46 وافقت الحكومة على تعميم التجربة في القطر المصري، ورصدت ميزانية لإنشاء ما بين 30 و40 مركز في السنة، وبالفعل في بداية سنة 49 كان فيه في قرى مصر 111 مركز بتخدم مليون وميه وخمسين ألف مواطن.



 المبادئ اللي قامت عليها المراكز كانت البساطة في الإنشاء والتكاليف، وتولي الأهالي لإدارتها بشكل ديمقراطي، وتغطية خدمتها لكل نواحي الحياة، يعني كانت بتقدم خدمات اقتصادية واجتماعية وثقافية وتعليمية ورياضية وصحية، وكانت بتتعاون مع الجهات التابعة للوزارات التانية زي المجموعات الصحية والوحدات الزراعية والمدارس الريفية.
نجاح التجربة خلى المؤسسات الدولية توصي بتكرارها في البلاد الزراعية الأخرى، وبيكتب أحمد حسين في المقدمة عن إصلاحي تاني لعب دور مهم في تأسيس التجربة دي وتوفي قبل صدور الكتيب، وهو محمد مصطفى بك وكيل عام مصلحة الفلاح.
 التجربة أساسها نقل الخبرات لتطوير الريف المصري، وكانت بتقوم بشكل أساسي على 3 موظفين مقيمين في القرية مع الفلاحين، أخصائي زراعي وطبيب وحكيمة، مهمتهم توصيل أساليب الإنتاج الزراعي الحديث للفلاح، وتوصيل طرق الوقاية الطبية من الأمراض المتوطنة ونشر التعاليم الصحية بين الفلاحين، المهمة المشتركة للتلاتة كانت إقناع الفلاحين بضرورة العمل على النهوض بنفسهم وبقراهم.
 العمل في المركز الاجتماعي كان بيدار من خلال 5 لجان بيشكلها الأهالي من بينهم بشكل ديمقراطي، وهي: لجنة الاقتصاد والزراعة، ولجنة الصحة، ولجنة الثقافة، ولجنة الإحسان، ولجنة المصالحات.
 كل مركز كان بيخدم 10 آلاف نسمة في قرية واحدة أو مجموعة قرى متجاورة، رسالة المركز كانت: "رفع مستوى الفلاح الاجتماعي والاقتصادي والصحي في وقت واحد عن طريق الفلاحين أنفسهم ومساهمتهم الفعلية على أسس اجتماعية علمية سليمة يتوفر فيها البساطة وقلة التكاليف".
 فكرة المراكز بتقوم على المشاركة بين الأهالي والحكومة، الأهالي بيجمعوا من بينهم 1500 جنيه، يعني 15 قرش في المتوسط عن كل مواطن، وكل واحد بيدفع اللي يقدر عليه، يعني القادر بيشيل غير القادر، لكن ضروري تكون فيه مساهمة ولو رمزية، والهدف من ده إن الأهالي يشعروا إن المركز مركزهم؛ تكاليف تشغيل المركز الواحد كانت في حدود 2500 جنيه في السنة، يعني نصيب الفرد 25 قرش في السنة من ميزانية الحكومة.
 الأخصائي الزراعي أول ما بيوصل القرية بيلف على الأهالي في بيوتهم ويتعرف عليهم، ويكون من الأهالي جمعية المركز الاجتماعي اللي بتجتمع وتنتخب من بينها خمس لجان تتولى مسؤلية الإصلاح الريفي بالقرية، الهدف من ده تعويد الأهالي على حل مشاكلهم بنفسهم، وإشعارهم إنهم مواطنين لهم حقوق وعليهم واجبات، وعمل المركز بيعتمد على الإعانة الحكومية من ناحية واشتراكات الأهالي وتبرعاتهم من ناحية تانية.
 أول لجنة من اللجان الخمسة المنتخبة كانت لجنة الاقتصاد والزراعة، ودي بتقوم بالتعاون مع الجمعية التعاونية في القرية على رفع مستوى الإنتاج الزراعي والحيواني بالقرية، بتعميم الأساليب الحديثة في الزراعة وتربية الحيوانات والدواجن والنحل، ونشر زراعات جديدة تدر ربح على الفلاحين وتحسين سلالات الدواجن والمواشي.
 كمان لجنة الاقتصاد والزراعة بتهتم بتنمية الصناعات الريفية وتطويرها في القرية لتحسين دخل الفلاحين، وتشغيل النساء في أعمال منتجة، وتوفير فرص عمل مناسبة للمعاقين من أبناء القرية.

أما لجنة الإحسان فكانت بتقوم بحصر العائلات الفقيرة في القرية وتدبر لهم مورد رزق ثابت، ورغم إن اسمها لجنة الإحسان لكن عملها ما كانش توزيع صدقات على الغلابة، لكن توفير وسائل انتاج وفرص عمل لهم تخليهم يعتمدوا على نفسهم، وبعدين يردوا تمنها بشروط سهلة من عائد الإنتاج.
 أما لجنة الثقافة والرياضة فكانت بتنظم فصول لتعليم الأميين والأميات من أهل القرية مبادئ القراءة والكتابة والحساب والدين والمعلومات العامة بالتعاون مع وزارة المعارف، وكانت اللجان الثقافية بتستخدم السينما الثقافية في توصيل الإرشادات للأهالي، وكانت بتستعين بنشاط المسرح الشعبي والسينما المتنقلة، وجزء من نشاط اللجنة كان تنظيم رحلات وزيارات للأماكن الأثرية والتاريخية والعلمية. كمان كل مركز كان فيه مكتبة عامة.




 أما النشاط الرياضي فكان بإنشاء الأندية الريفية في القرى، وتشجيع الأهالي على ممارسة النشاط الرياضي، وكمان كانوا بياخدوا الأطفال من القرية في معسكرات صيفية في إسكندرية يصيفوا ويتفسحوا ويعملوا رياضة. جزء من النشاط الرياضي كان النشاط الكشفي، اللجنة الثقافية الرياضية كانت بتعمل فرق زهرات للبنات وفرق أشبال للأولاد.




 لجنة المصالحات بتتشكل من رؤساء العائلات علشان تفض المنازعات اللي بتحصل بين اأهالي بشكل ودي.


اللجنة الأخيرة كانت لجنة الصحة والنظافة، وهدفها إيجاد بيئة صحية بالقرية تحت إشراف الطبيب والحكيمة، بتهتم بتوفير مياه شرب نقية، ونشر الوعي بأهمية النظافة الشخصية بإيجاد الحمامات والمغاسل، وتنظيف الطرق في القرية وردم البرك وتعفير البيوت.


 ده غير خدمات العيادة الطبية اللي في المركز واللي بتشمل التطعيمات وعلاج الأمراض الباطنية والجلدية والرمد، وصرف الأدوية المجانية، وعمل الإسعافات الأولية للمصابين في الحوادث، ده غير المتابعة الصحية للحوامل والأمهات حديثي الولادة، وتوعيتهم بالقواعد الصحية، والمراكز دي لعبت دور مهم في حصار وباء الكوليرا سنة 1947.



 أهم حاجة في التجربة دي إنها كانت بتقوم على توعية الناس وتمكينهم من تحسين أحوالهم وإدارة أمرهم بنفسهم بشكل ديمقراطي...

هناك تعليق واحد:

  1. Reconstructing rural Egypt: Ahmed Hussein and the history of Egyptian development

    https://www.mediafire.com/file/d78o33fewmo9yoc/Reconstructing_rural_Egypt.pdf/file

    ردحذف

أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا

  أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا عماد أبو غازي   إذا كنا نحي هذا العام الذكرى الخمسين لرحيل طه حسين، فهناك مناسبة أخرى مرتبطة به ت...