الثلاثاء، 21 يوليو 2015


 

الأهلي نادي الانتصارات

 النهار ده بمناسبة الفوز المعتاد للنادي الأهلي على الزمالك بأعيد نشر مقالتين كتبتهم سنة 2007 في الاحتفال بالمئوية الأولى للنادي الأهلي في مخربشاتي بجريدة الدستور....

الأهلي وقرن من تاريخ مصر

عماد أبو غازي
 
 

هذا العام عام النادي الأهلي، ففي شهر أبريل القادم تمر مئة سنة على أول اجتماع لمجلس إدارته، وإذا كان تاريخ النادي الأهلي في الأمجاد الرياضية معروف، إنه نادي القرن العشرين أفريقيًا، وأكثر النوادي المصرية فوزًا ببطولتي الدوري العام وكأس مصر في كرة القدم بفارق كبير عن النادي الذي يليه، وأكثرها فوزًا بالبطولات الإفريقية، حقق عشرات البطولات المحلية والقارية في كرة القادم قاربت المئة، وحقق انتصارات في مباريات دولية مع أهم فرق العالم، فضلًا عن عشرات من البطولات في ألعاب رياضية أخرى، كما كان النادي الأهلي أول نادي مصري يعرف نظام الاحتراف ويقدم محترفًا مصريًا يلعب كرة القدم في أوروبا، وذلك عندما احترف نجمه العظيم صالح سليم في منتصف الستينات في النمسا، وكان أول لاعب كرة قدم ـ في حدود علمي ـ يؤلف عنه كتاب في حياته، كان الكتاب يحمل عنوان "كرة صالح"، وما زال النادي الأهلي يحصد البطولات ويحطم الأرقام القياسية رقمًا بعد رقم على صعيد الرياضة.
 
  ويعتبر النادي الأهلي صاحب أكبر جمهور يشجع فرقه بين الأندية المصرية على وجه الإطلاق، ويمتد جمهوره الذي يشجع فريقه الكروي بامتداد العالم العربي.
 
 
 
 لكن قصة النادي الأهلي التي تمتد لقرن كامل لم تكن قصة انتصارات رياضية وبطولات تتحقق في هذه اللعبة أو تلك، أو قصة جماهير غفيرة تتسع يومًا بعد يوم، أو قصة قيم وأخلاقيات رياضية تسعى القلعة الحمراء إلى ترسيخها وإرسائها في تعاملاتها مع مؤسسات العمل الرياضي ندر أن نصادف مثلها في ناد آخر؛ إن قصة النادي الأهلي تحمل كل ذلك، لكنها تحمل أبعادًا أكثر من ذلك بكثير، فهي تشكل جزء من قصة نضال الشعب المصري من أجل امتلاك مقدراته.
 

سهم النادي الأهلي
 لقد تأسس النادي الأهلي في عام 1907 في فترة محورية من تاريخ مصر، ولم يكن إنشاء النادي الأهلي مجرد تأسيس لنادي للرياضية البدنية والنشاط الاجتماعي، بل جزء من حركة عامة في المجتمع المصري بدأت مع مطلع القرن العشرين، تواكب فيها نمو الحركة الوطنية وصعودها التدريجي مع بناء المؤسسات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني الحديثة، فقد شهدت تلك السنوات تأسيس الأحزاب السياسية التي تعبر عن التيارات الأساسية في المجتمع ويسعى كل حزب منها بطريقته لتحقيق أهداف النضال الوطني في الدستور والجلاء، وكان أبرزها حزب الإصلاح على المبادئ الدستورية الموالي للخديوي عباس حلمي، وقد أسسه الشيخ علي يوسف ولسان حاله جريدة المؤيد، وحزب الأمة باتجاهه الليبرالي وقد أسسه أحمد لطفي السيد، وكانت جريدة "الجريدة" لسان حاله، ثم الحزب الوطني باتجاهاته الجذرية في العداء للاستعمار البريطاني، وقد أسسه مصطفى كامل سنة 1907، وكان الحزب تيارًا متصاعدًا في الحياة السياسية المصرية منذ صدرت جريدة "اللواء" سنة 1900.
 كما شهدت تلك السنوات أيضًا تأسيس نادي المدارس العليا كناد سياسي اجتماعي نقابي يجمع طلاب المدارس العليا وخريجيها في تنظيم واحد يدافع عن مصالحهم وينمي الروح الوطنية بينهم، وكان هذا النادي الذي عقدت جمعيته العمومية الأولى في ديسمبر 1905 وافتتح رسميًا في أبريل 1906 أول شكل من أشكال التنظيمات الطلابية في مصر، وقد لعب دورًا مهمًا في النضال الوطني حتى جمدت سلطات الاحتلال نشاطه مع قيام الحرب العظمى سنة 1914.
 نفس الفترة عرفت الدعوة لإنشاء الجامعة الأهلية وافتتاح الدراسة بها بالفعل في ديسمبر من عام 1908، لتكون نواة للجامعات المصرية الحديثة فيما بعد، وليتخرج منها مجموعة من رواد حركة التحديث التي انتعشت موجه جديدة من موجاتها في أعقاب الثورة المصرية، ثورة 1919، وعام 1908 نفس العام الذي شهد افتتاح مدرسة الفنون الجميلة التي أسسها الأمير يوسف كمال أحد رعاة النهضة الثقافية في مصر وجعل مقرها قصر من قصوره بحي درب الجماميز بالقاهرة، وهي المدرسة التي كان من بين طلاب دفعتها الأولى رواد الفن الحديث في مصر، مختار وراغب عياد ويوسف كامل ومحمد حسن.
 وتأسست في 1909 "نقابة عمال الصنائع اليدوية" بدعم من الزعيم محمد فريد الرئيس الثاني للحزب الوطني لتبدأ بذلك مرحلة جديدة في تاريخ الحركة العمالية المصرية.
 وفي نفس الحقبة تأسست مجموعة من الجمعيات الأهلية كان من أبرزها الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والتشريع والإحصاء التي ما زالت قائمة نشطة إلى يومنا هذا.
 

حفل افتتاح النادي الأهلي
 في هذا السياق الذي شهد صحوة على كل الأصعدة في المجتمع المصري تأسس النادي الأهلي ليكون ناديًا وطنيًا، رغم وجود بعض الأجانب بين أعضائه، لكن فكرته الأساسية هي إنشاء نادي رياضي اجتماعي للمصريين في مواجهة نادي الجزيرة الذي كان ناديًا للأجانب، ومن هنا اتخذ النادي الأهلي اللون الأحمر شعارًا له، فقد كان علم مصر وقتها أحمر اللون.
 

 مجلس إدارة النادي
وبهذا المعنى كان النادي الأهلي جزءًا من المشروع الوطني الكبير الذي مهد الأرض للصحوة الكبرى التي أعقبت الحرب العالمية الأولى وبلغت ذروتها بقيام ثورة 1919، وإذا كان نادي الجزيرة ناد للأجانب والنادي الأهلي ناد للأهالي ومن هنا أخذ أسمه، فإن النادي المصري الكبير الثاني "نادي الزمالك"، حاول أن يجمع بين الفئتين وحمل اسمه في مرحلته الأولى اسم "النادي المختلط"، ثم أصبح اسمه بعد ذلك نادي فاروق ورأسه حيدر باشا قائد الجيش، ثم تحول بعد 23 يوليو إلى نادي الزمالك وإن ظلت رئاسته في يد قيادة الجيش وأسرة حيدر باشا من خلال تولي المشير عبد الحكيم عامر رئاسته، ومن هنا فقد ظل النادي الأهلي مرتبطًا بالحركة الوطنية وبالشعب، وربما كان هذا سر جماهيريته الواسعة التي لا نظير لها.
 ولاشك في أن الاحتفال بالمئوية الأولى للنادي الأهلي والتي أوشكت فعالياتها على الانطلاق، سوف تكون على مستوى تاريخ هذا النادي الكبير باعتباره جزءًا من تاريخ الوطن.

الأهلي مدرسة للرياضة والفن ....

  طوال التاريخ المئوي للنادي الأهلي والذي لم ينتقل فيه من مقره بالجزيرة، كان النادي مركزًا للنشاط الفني بقدر ما كان مركزًا للنشاط الرياضي، وإذا كان عام 1911 شهد تكوين أول فريق لكرة القدم بالنادي الأهلي والذي ضم اللاعب الفذ حسين حجازي، فإن الأهلي بدأ في فترة مقاربة تنظيم الحفلات الفنية بشكل منتظم، وقد شارك في إحياء الحفلات الغنائية بالنادي الأهلي عبر تاريخه نخبه من نجوم الفن في مصر، في مقدمتهم صالح عبد الحي وأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب ونجاة الصغيرة ووردة الجزائرية، وقد شاركت أم كلثوم وعبد الوهاب في حفلات النادي الأهلي وهما في مستهل حياتهما الفنية.
 
 ويذكر الكاتب الراحل الأستاذ فكري أباظة، الذي انضم لعضوية النادي الأهلي سنة 1913 بعد تأسيسه بست سنوات وظل عضوًا به حتى وفاته، في مقالة له عن النادي الأهلي نشرت ضمن كتيب صغير أصدرته مجلة صباح الخير في مارس سنة 1966 ضمن سلسلة "حكايات صباح الخير"، إن النادي الأهلي كان السبب في احتراف الفنان الكبير نجيب الريحاني للفن، والعهدة على الراوي، الذي قال: "إن الأهلي كان يقيم منذ سنة 1916 حفلات ساهرة تحت اسم سموكنج كونسرت، يلقي فيها أعضاء فرقة التمثيل بالنادي مقطوعات كوميدية وتراجيدية وموسيقية، وكانت من أنجح الحفلات في المجتمع المصري في ذلك الوقت"، وممن شاركوا فيها يوسف وهبي ومحمد عبد القدوس وسليمان نجيب وحسن فائق، ووفقًا لرواية فكري أباظة، فإن نجيب الريحاني الذي كان موظفًا ببنك كريدي ليونيه حضر واحدة من تلك الحفلات فقرر  الاستقالة من عمله وتأسيس فرقته المسرحية.

فكري أباظة
 وبالمناسبة فإن فكري أباظة هو الذي كتب نشيد النادي الأهلي، وترجع القصة إلى عام 1957، أي منذ خمسين عامًا، عندما احتفل النادي الأهلي بعيده الذهبي يومها كتب فكري أباظة نشيدًا للنادي الأهلي لحنه الموسيقار الكبير محمود الشريف، يقول النشيد:

قوم يا أهلي شوف ولادك والبنود ...
شوف كتايبك ... شوف جنودك والحشود...
شوف آيات النصر في كل العهود...
شوف وسجل بيها أمجاد الخلود...
إنت ديمًا ... إنت دايمًا ... إنت دايمًا في الأمام...

***
كل نعمة في رحابك عندنا دي مشيئة وإرادة ربنا
من شيوخك اكتسبنا مجدنا
وبشبابك احتفظنا باسمنا
إنت ديمًا ... إنت دايمًا ... إنت دايمًا في الأمام...

***
الرياضة دي غريزة في طبعنا...
من زمان جريتها جري في دمنا...
والبطولة منبتها في أرضنا...
أهديناها للجميع من عندنا...
إنت ديمًا ... إنت دايمًا ... إنت دايمًا في الأمام...

***
لما نادنا المنادي بالفداء...
في البحار وفي القفار وفي السماء...
استجبنا واكتسبنا بالدماء...
واحتسبنا فرقة للشهداء...
إنت ديمًا ... إنت دايمًا ... إنت دايمًا في الأمام...

***

فكري أباظة مع لاعبي الأهلي في السبعينيات
  ولفكري أباظة وللنادي الأهلي الحق بأن يفخر بتاريخه وحاضره، فبعد سنوات قليلة من تأسيس النادي كان يضم 18 لعبة رياضية دفعة واحدة، إلى جانب فرق الموسيقى والتمثيل والرسم والتصوير، وفرقة الرحلات، كما أن النادي منذ تأسيسه جمع بين أسواره الأمراء والنبلاء من أبناء أسرة محمد علي مع الكتاب والمثقفين والفنانين والمهنيين، جنبا إلى جنب مع أبناء الطبقات الشعبية من الرياضيين.
 

 وكان أول رئيس للنادي الأهلي ميتشيل أنسي، ثم نص قانون النادي على أن يرأس الجمعية العمومية للنادي ناظر المعارف ومن هنا رأسها سعد باشا زغلول وغيره من نظار ووزراء المعارف، إلا أن أبرز رؤساء النادي في تاريخه الطويل رجل الصناعة والاقتصاد أحمد عبود باشا، والفريق أول عبد المحسن مرتجي قائد القوات البرية في الستينات.
 عبود باشا
 
الفريق مرتجي
 ثم صالح سليم ابن النادي ولاعبه الدولي المميز الذي بدأ مشواره الكروي بالنادي عام 45 وبعد أقل من ثلاث سنوات كان يلعب في الفريق الأول ليصبح بعدها بعشر سنوات رئيسًا للفريق، وكان صالح لاعبًا وإداريًا ثم رئيسًا للنادي المحافظ على تقاليده العريقة كمؤسسة من مؤسسات المجتمع المستقلة، وربما يكون الاحتفال بمئوية الأهلي مناسبة لإقامة تمثال لصالح سليم في أحد المواقع القريبة من النادي، أو على الأقل داخله.
صالح
 لقد تأسس النادي الأهلي سنة 1907 كنادي رياضي اجتماعي للمصريين، ووفقا لرواية فكري أباظة فإن سلطات الاحتلال البريطاني شجعت إنشاء النادي ظنًا منها بأنه سوف يجذب الشباب بعيدًا عن نادي المدارس العليا الذي كان مصدر قلق للإنجليز بسبب نشاطه الوطني، لكن ظن الإنجليز قد خاب وأصبح الأهلي مصدر قلق جديد لهم، إلى جانب "زميله" الأكبر نادي المدارس العليا، ولذلك النادي قصة أخرى!

هناك تعليقان (2):

  1. التاريخ بطعم الرياضة . مبروك فوز الأهلي يا أستاذي العزيز .حتى فى الرياضة تبهرني بمعلوماتك التاريخية أدام الله عليك علمه

    ردحذف

أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا

  أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا عماد أبو غازي   إذا كنا نحي هذا العام الذكرى الخمسين لرحيل طه حسين، فهناك مناسبة أخرى مرتبطة به ت...